بقلم: عبد الرحمن الراشد
تاريخيا، كل إمبراطوريات الدنيا، التي مرت من هنا، قاتلت من أجل حلب، أقدم المدن في تاريخ البشرية، حيث يقدر أن عمرها عشرة آلاف سنة. آخرها الإمبراطورية العثمانية التي جعلتها عاصمتها الثالثة بعد الآستانة والقاهرة.
العالم تغير، وسوريا تغيرت منذ تقسيم سايكس بيكو، ولهذا لم أفهم كثيرا سر تركيز الطرفين المتقاتلين في سوريا، نظام الأسد والثوار، على حلب. لماذا ليست حماه، أو حمص التي أكلت حصة أكبر من الهجمات الهمجية من قبل قوات النظام، أو درعا الأقرب إلى العاصمة، والأكثر خطرا عليها؟
في المقابل أدرك لماذا لا تستهدف العاصمة دمشق، الذي يعني سقوطها سقوط النظام فورا بالضربة القاضية، لسبب واضح أنها مدججة بالدفاعات، وسيقاتل عنها الأسد حتى آخر طفل وامرأة. لهذا من الواضح أن تكتيك الثوار في دمشق مختلف عن بقية المدن، اعتماد العمليات النوعية المهمة المفاجئة المتعددة والمتزامنة، لأن النظام لا يستطيع فعل شيء ضد هجمات الغوريللا المباغتة، كما يتحاشى الثوار التمترس والقتال في أحيائها وشوارعها، وقد جربوا من قبل في حي الميدان فاستعان النظام فورا بالمروحيات لهدم البيوت على سكانها.
أما حلب فالحرب فيها شبه يومية منذ أن انضمت ببلداتها وريفها، ومع هذا لم يهزم النظام ولم يكل الثوار، والحرب مستمرة، وإن كانت الكفة تميل لصالح أهلها الثائرين الذين يقولون: إنهم على وشك تحريرها. ومن الواضح أن صمود النظام، بعد أن شارفت حلب على السقوط في أغسطس (آب) الماضي، تم بفضل المدد الهائل من روسيا وإيران. وتشير إحدى الوثائق المسربة أن قيادة الحرب السورية استعدت لمواجهة انتفاضة حلب قبل حدوثها. تقول الوثيقة إن بضع مئات من مقاتلي حزب الله اللبناني كلفوا بالمرابطة فيها قبل التحاق المدينة بالثورة بنحو ثلاثة أشهر، وكان النظام يحاول إجهاض أي محاولة في مهدها، لكنه فشل.
وهنا استعير تحليل الباحث والمحلل السياسي سامي مبيض الذي كتب مفسرا أهمية الصراع على حلب، من أن أفراد الجيش السوري الحر يعتقدون أن تحريرهم حلب يعني سقوط بقية المدن والبلدات مثل أحجار الدومينو، وبسقوطها سيصبح النظام محاصرا في دمشق ومدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين. ويقول: «تبرز إلى السطح حالة واضحة من التاريخ، هي حالة (الرئيس) أديب الشيشكلي، الذي واجه ثورة شعبية مدعومة بانتفاضة عسكرية في أواخر عام 1953. في البداية حاول قمعها بالقوة، ولكن، شيئا فشيئا، بدأت المدن تفلت منه الواحدة تلو الأخرى. وعندما سقطت حلب، سرعان ما تفكك النظام من الداخل، حيث تبعها جبل الدروز وحمص واللاذقية بسرعة، ما أفضى إلى تقليص قاعدة سلطة الشيشكلي لتقتصر على حماه ودمشق العاصمة».
من المؤكد أن سقوط حلب، والثوار أطلقوا اسم معركة الحسم عليها الآن، يعني سقوط أكبر المدن السورية وأقربها جغرافياً إلى تركيا، التي قد تحرك الأتراك بعد طول انتظار وخوف.
أعتقد أن تحرير حلب أصبح ممكنا بعد المعارك الدامية، وبسالة الثوار، وصبر أهل هذه المدينة الجريحة، وقد لا يسقط النظام فورا بسقوطها، وإنما حلب، كونها المدينة الأكبر، ستجبر الروس، والإيرانيين تحديدا، على التخلي عن جزار سوريا بشار الأسد.