يأتي كل متحور كصفعة على وجه العالم لكن رغم الصورة القاتمة يحقق التقدم في علاج الفيروس والتطعيم ضده مؤخرا قفزات مهمة.
تعرض اقتصاد الغرب لهزات ارتدادية من موجات الإغلاق وتعرضت الطبقة السياسية لضغوطات قاسية شعبياً فغدا قرار الإغلاق سياسيا قبل أن يكون صحيا.
الاقتصاديون مختلفون حول النتيجة النهائية لأزمات كورونا على الاقتصاد العالمي مع اتفاقهم على أن اختلالاً جديداً في سلاسل الإنتاج ستكون له آثار كارثية حتى على إمدادات الغذاء العالمية.
* * *
بقلم: ماجد محمد الأنصاري
مع تتابع الأنباء حول متحور أوميكرون الجديد والتزايد السريع في عدد الحالات مع دخول فصل الشتاء في أوروبا أطل شبح الإغلاقات بوجهه المخيف على اقتصاد العالم في عدد من الدول الأوروبية.
بدأت الأرقام تقترب من ذروات سابقة مع تأخر جهود التطعيم لأسباب مختلفة، بين رفض قطاعات من المواطنين التطعيم، مروراً بتأخر التطعيم في الدول النامية، لم يصل العالم إلى أرقام تضمن توقف الموجات الجديدة من عبور الحدود، ولكن كثيراً من الحكومات التي مازالت تعاني من الآثار السياسية والاقتصادية للإغلاقات السابقة تبدو اليوم مترددة في تطبيق إجراءات جديدة، خاصة أن العديد منها بدأ منذ شهور قليلة في العودة إلى الحياة الطبيعية.
في الغرب الديموقراطي المشكلة مضاعفة، حيث تعرض الاقتصاد لهزات ارتدادية من موجات الإغلاق، وتعرضت الطبقة السياسية لضغوطات قاسية شعبياً بحيث أصبح القرار في فرض الإغلاقات الجديدة سياسياً قبل أن يكون صحياً، تحاول السلطات تجنب الإغلاقات قدر الإمكان لتجنب ردة فعل شعبية، خاصة في موسم الأعياد المقبل هناك، في الدول النامية وخاصة الفقيرة منها تواجه الحكومات ضغوطات قاسية خاصة مع تفشي الصراعات الأهلية والانهيارات الاقتصادية في عدد كبير من هذه الدول، بالتزامن مع عدم قدرتها على توفير التطعيمات لقطاعات واسعة من المواطنين وزيادة نسبة الإصابات عن المعدل العالمي، وطالما تأخرت حملات التطعيم هناك، وترددت السلطات في الإجراءات ستستمر هذه الدوامة التي لا يبدو أن العالم يرى النور في نهاية نفقها اليوم.
فهل يتحمل العالم موجة خامسة؟ الاقتصاديون مختلفون حول النتيجة النهائية لأزمات كورونا على الاقتصاد العالمي مع اتفاقهم على أن اختلالاً جديداً في سلاسل الإنتاج ستكون له آثار كارثية حتى على إمدادات الغذاء العالمية.
خلال العامين الماضيين تأثرت العديد من القطاعات بهذا الأمر بشكل كبير وأزمة جديدة ستفاقم المشكلة على مستوى عالمي، ناهيك عن الانهيار التدريجي لما يسمى بقطاع الشارع التجاري High Street أو محلات التجزئة خارج المجمعات التجارية والتي كانت تعاني لسنوات بسبب سيطرة الشركات الكبرى على السوق والمجمعات التجارية، وأخيراً التجارة الإلكترونية، وجاءت أزمة كورونا لتكون المسمار الأخير في نعش هذا القطاع، تمر اليوم بالشوارع التجارية الكبرى في بعض عواصم العالم لتجد أبواب موصدة وبقايا لوحات منزوعة، حيث صمدت سابقاً محلات شهيرة لعشرات السنين.
من الناحية الأخرى سياسياً تعاني الدول الديموقراطية من ضعف الطبقة السياسية المستمر لعقود، هذا الضعف عززه الحنق الشعبي من فشل العديد من هذه الحكومات في إدارة الأزمة، قد يكون الرابح الأكبر هم الشعبويون الذين بدؤوا صعودهم منذ بداية العشرية واستمدوا قوة جديدة من اللعب على وتر نظرية المؤامرة والرقص على أنغام ارتباك الحكومات خلال الأزمة البيئة السياسية غربياً ستكون مختلفة بعد سنوات قليلة.
مازال العالم ينتظر مخرجاً من هذه الأزمة، الأنباء عن علاج مرتقب تتلقفه وسائل الإعلام بلهفة، وفي المقابل يأتي كل متحور كالصفعة على وجه العالم، ولكن رغم هذه الصورة القاتمة، فإن التقدم في علاج الفيروس والتطعيم ضده يحقق خلال هذه الشهور قفزات مهمة، لعل أحدها تكون الوثبة التي ينتظرها العالم، لعل النهاية قريبة والخلاص أمامنا والأمل بالله دائم لا ينقطع.
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر
المصدر| الشرق – الدوحة
موضوعات تهمك: