هل هي الحرب؟
- تبدو الخطوة التصعيدية الحالية تهدف أساساً الى احراج الأصدقاء الأوروبيين!
- ليست الحرب إذاً بل “لعبة” الحرب.. ما لا يمنع أنها قد تشتعل بعدما تهيأ مسرح فوهة البركان هذا!
- التصعيد الأمريكي يأتي بعد عام بالتمام من إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقع مع طهران في 2015.
* * *
بقلم | نهلة الشهال
عبَرت أبراهام لينكولن، حاملة الطائرات الامريكية التي تعمل بالطاقة النووية، قناة السويس لتقترب من إيران، حسبما قال بيان رسمي سُعد جون بولتون، مستشار البيت الابيض للامن القومي بالادلاء به، مضيفاً الى الخبر التهديد والوعيد.
جاءتنا تحمل جنوداً من “المارينز” كما من القوات الجوية: ما يقرب من خمسة آلاف رجل (وإمرأة)، وطائرات للقصف يمكن تزويدها برؤوس نووية، ومدافع وصواريخ ومروحيات وعربات ورادارات الخ..
لينكولن تلك العائدة من مهمة “تخويفية” مشابهة قرب شواطئ فنزويلا، تعرف منطقتنا جيداً، فقد كان العراق أيام حرب “عاصفة الصحراء” أولى مهامها بعد وضعها في العمل في 1989. فكانت منصة انطلاق لقصفه : 16 الف و500 طلعة جوية، وأكثر من 800 طن من القنابل خرجت يومها من على متنها. ومذاك، فهي تكاد لا تختفي عن أبصارنا.
غاية الحركة استعراضية، وهي لذا.. سخيفة، بمعنى أنها غير مؤهلة لأن تؤدي رسالتها التحذيرية التي تباهى بوضوحها بولتون. فواشنطن تملك قواعد عسكرية في المنطقة نفسها وفي جوارها القريب، وهي تحوي “ما يلزم”.
وحاملة الطائرات ابراهام لينكولن معتادة (كذلك) على الاستعراضية، فهي نفسها السفينة التي القى من على متنها جورج بوش الابن خطابه في الاول من أيار/ مايو 2003، الذي أعلن فيه “انتهاء العمليات الكبرى” فيما نشرت خلفه يافطة تقول “انجزت المهمة”.
هذا التصعيد اليوم في النبرة الامريكية يأتي بعد عام بالتمام من إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقع مع طهران في 2015. وبما أن سائر أطراف هذا الاتفاق، بمن فيهم بريطانيا وألمانيا وفرنسا، علاوة على الاتحاد الاوروبي نفسه، امتعضوا من قرار الانسحاب الامريكي ولم يجاروه، فكان لا بد لواشنطن من “القيام بشيء ما”.
وهكذا تبدو الخطوة التصعيدية الحالية تهدف أساساً الى احراج الاصدقاء! خصوصاً انه عدا هؤلاء، فالدولتين المتبقيتين من موقعي الاتفاق النووي مع إيران، اي روسيا والصين، هما في واد آخر:
روسيا تتفرج ولا تنبث ببنت شفة، عسى يغوص الجميع في هذه الرمال المتحركة فتعزز هي استثنائية موقعها في المنطقة، بينما بكين تخوض حالياً حرباً اقتصادية ضروس مع واشنطن، ما يجعل خسارتها لـ”الاستثناءات” على حصار إيران التي “منحها” الامريكان خلال العام الفائت لبعض الدول – ومنها الصين – أحد ملفاتها الاقل أهمية رغم أن ها كانت تعتمد بنسبة عاليةعلى النفط والغاز الإيرانيين (تستورد نصف مليون برميل يومياً، وهذا كان يعادل نصف صادرات ايران).
هكذا دُفعت طهران دفعاً الى الرد. فهي المكتوية بالنار – بينما يفرد الآخرون تكتيكاتهم – بقيت تنتظر طوال العام الفائت (منذ اعلان الانسحاب الامريكي) الاجراءات الاوروبية المعلن عنها لتنظيم الالتفاف على العقوبات الامريكية عبر منظومة من “المقايضة”.. التي لم تتبلور ولم توضع في التنفيذ.
لكن إيران، رغم التلويح بمراجعة بندين من التزاماتها، لم تعلن انسحابها من الاتفاق بل أعادت التأكيد على تمسكها به، كما أكد خبراء ومفتشو وكالة الطاقة النووية أنها فعلاً تطبق بنوده.
أما النزق الذي ميز رد الدول الثلاث ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي على “الانذار” الإيراني، فلعل تفسيره يكمن في أنها لا تضيق ضغطاً اضافياً، وتعتبر أن أولويتها هي محاولة مدارة “جنون” ترامب وسوء طباعه وولعه بالـ”قفشات”، والخوف من “حربجية” بولتون وبومبيو وسائر العصابة الحاكمة اليوم في واشنطن.
ليست الحرب إذاً بل “لعبة” الحرب.. ما لا يمنع أنها قد تشتعل بعدما تهيأ مسرح فوهة البركان هذا!
* د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير “السفير العربي”.
المصدر: السفير العربي
موضوعات تهمك:
الفجيرة وحاجة الإمارات إلى استحداث وزارة الشفافية
عذراً التعليقات مغلقة