بقلم: عبد الرحمن الراشد
هل تاهت آمال السوريين لأن ثورتهم تأخر حسمها، وبعد أن استهلكت أربع ثورات عربية ضخمة مشاعر العالم وحماسه.. بعد مفاجأة الثورة التونسية، وضخامة ثورة المصريين، وبعد دراما ميدان التغيير في صنعاء، وأنهار الدماء في ثورة الليبيين ضد القذافي؟
أم أن حماس العالم، والغرب تحديدا، خبا بسبب إنجاب الثورات ديمقراطيات مشوهة، وفزعهم من مواليدها الجديدة، يرون فيها جيوبا أصولية إسلامية سرقت ثورات شبابية ليبرالية؟
ثورة الشعب السوري هي أصعب الثورات وأخطرها. كل شيء يقف ضدها من الملل، والتوجس، والخيبات، والحسابات السياسية والحروب الإقليمية والدولية. والأسوأ أن التاريخ ليس في صف السوريين المنتفضين، فروسيا تبحث عن مكان لها في منطقتنا بعد أن غابت عنه ثلاثة عقود، وكانت تهيمن على سبع دول عربية آنذاك.
أحيانا للتاريخ يد في التغيير. عام 1990 تاريخ مهم، فقد غزا صدام حسين جارته الكويت، عندما كانت المنطقة في فراغ سياسي بتهاوي الاتحاد السوفياتي الذي لم يعد خطرا. ظن صدام أنه في ظل الفراغ قادر على فرض واقع جديد، والحقيقة لم يكن مخطئا لولا أن الظروف وقفت ضده. سعى مبكرا إلى طمأنة الدول الكبرى، وتحديدا الولايات المتحدة، أن خلافه مع الكويت خلاف بين دولتين تاريخهما مشترك، ولن يضر بمصالح الغرب ومستعد لتقديم ما يلزم من ضمانات لذلك. أيضا نظامه لم يعد محسوبا على الاتحاد السوفياتي. وتطورت علاقة صدام بواشنطن نفطا وسلاحا ودبلوماسيا، فهي التي ساعدته للنجاة من هزيمة الحرب مع إيران بعد ثماني سنوات صعبة. في أسبوع الغزو الأول كان للسفير السعودي الأسبق بندر بن سلطان دور خطير. فقد سد الباب أمام رسل صدام وحلفائه العرب الذين تقاطروا على واشنطن يطرحون وعودا ومبررات هدفها الحقيقي تمكين صدام من الغنيمة. وعندما سأل بوش سفير السعودية الذي شن حملة دبلوماسية على كل الأصعدة في واشنطن واستعان برئيسة وزراء بريطانيا ثاتشر التي طارت للولايات المتحدة وقالت للرئيس جورج بوش الأب تحثه على ألا يتردد ويساوم «هذا ليس الوقت لتبدو مرتبكا». وبدوره سأل بوش بندر متشككا هل أنتم مستعدون أن نرسل لكم قوات أميركية تحارب صدام؟ رد عليه السفير «نعم.. إذا كنتم مستعدين لإرسال قوات ضخمة». كانت هناك مخاوف لها ما يبررها أن يمتنع الأميركيون عن التدخل ويقبلوا بحلول ووساطات كانت مطروحة، خاصة أن الفرنسيين والروس وغيرهم يدفعون بفكرة الحل السلمي الذي سيترك الكويت لصدام.
اليوم غير الأمس، وتوازنات القوى اختلفت. الروس يتخذون من الثورة السورية رسالة لإعلان عودتهم، فهم خرجوا مع خروج صدام من الكويت ويريدون العودة مع الحفاظ على نظام الأسد. ويعتقدون أنهم خسروا ليبيا القذافي خديعة، عندما غير السفراء في ليلة اجتماع مجلس الأمن مشروع القرار من «شجب» فقط إلى السماح بـ«حماية المدنيين»، وكانت ذريعة للتدخل العسكري الذي أسقط نظام العقيد. لكن رهان الروس على أنظمة بشعة مثل القذافي والأسد ما كان سيمنح الدولة العظمى عودة دائمة في هذا الزمن.
لا أقول فات تاريخ التغيير للشعب السوري، لكن أرى أن الاعتماد على التدخل الخارجي صار ضعيفا بسبب رفض الروس تحديدا. وليس أمامه سوى مواصلة محاصرة النظام الذي سنراه ينهار في لحظة مفاجئة. السوريون بأنفسهم سيغيرون التاريخ.