هل من ربيع عربي جديد؟
- القوى الرافضة للتغيير في المنطقة في حالة تحفز عالية جداً!
- هل تشير الأحداث لموجة جديدة من مطالبات الإصلاح في المنطقة؟ هل نحن أمام ربيع عربي ثان؟
- خبرة الشعوب العربية بالثورات قريبة والدمار الناتج عن الثورات لازال في الذاكرة.
- المتتبع إعلامياً يجد ارتباكاً في تغطية مظاهرات السودان وكأن أحداً لا يعرف ما يجب فعله.
- في موجة الربيع الأولى كان التدخل الخارجي العامل الحاسم في فشل الثورات في تحقيق أهدافها.
بقلم: ماجد الأنصاري
بدأ أصحاب السترات الصفراء موجة جديدة من الاحتجاج عالمياً حول الأوضاع المعيشية، فالتطورات الاقتصادية وتلك المرتبطة بالتوترات السياسية والاجتماعية في مختلف دول العالم تحولت سريعاً من الغليان إلى الانفجار، بمعظم هذه الدول خاصة المستقرة منها، سينتهي الأمر بإصلاحات محدودة كما يحدث بفرنسا أو ينتهي كما بدأ دون تغيير سوى بعض التنفيس الشعبي للأزمات السياسية.
حتى الآن يبدو أن هناك دولتان عربيتان اشتعلت فيهما المظاهرات، الأردن والتي تنتظم فيها مظاهرات مطلبية كل خميس منذ فترة وثم السودان التي اشتعلت فيها المظاهرات بشكل خاص بعد زيارة البشير للأسد رغم عدم وجود ارتباط مباشر بين الحدثين.
لكن هل تشير هذه الأحداث إلى موجة جديدة من المطالبات بالإصلاح في المنطقة؟ أو بلفظ آخر هل نحن أمام ربيع عربي ثان؟
موجة الربيع الأولى جاءت كذلك نتيجة لتظاهر بدأ عفوياً في تونس وامتد عبر العواصم العربية محدثاً زلازل سياسية عبر المنطقة لينتهي بالثورات المضادة والحروب الأهلية، اليوم تبدو الأجواء في السودان مهيأة للتغيير خاصة وأن الحكومة اختارت قمع المظاهرات لتظهر الصور مشابهة لتلك التي انتشرت إبان الربيع.
لكن أمران رئيسيان يختلفان هذه المرة:
أولاً خبرة الشعوب العربية بالثورات قريبة والقتل والدمار الذي نتج عن الثورات المضادة والحروب الأهلية يعيش حياً في الذاكرة فهو مستمر حتى اليوم في مصر وليبيا وسوريا واليمن، هذا سيجعل ميزان التكلفة والربح في أذهان الملايين مائلاً باتجاه الخسارة،
الأمر الثاني هو أن القوى الرافضة للتغيير في المنطقة هي في حالة تحفز عالية جداً ما يعني أن أي تحرك على الأرض خاصة في العواصم المنضوية تحت لواء محاربي الربيع العربي سيواجه دعماً سريعاً للسلطة، لا يمنع ذلك من هبات شعبية ولكنه يضعف بشكل كبير احتمالية أن تتحول هذه الهبات إلى موجة كسابقتها.
حكومة الخرطوم ليست بريئة من أزمات السودان المختلفة ولا من الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، وزيارة البشير للأسد كانت دليلاً أن هذه الحكومة ليست مستعدة لا للحفاظ على الحقوق داخلياً ولا المبادئ خارجيا.
وهذا هو بالضبط ما أطاح بحكومات تونس ومصر واليمن وبقية دول الربيع، ولذلك ليس مستغرباً أن يخرج السودانيون سعياً نحو حقوقهم، أما الصمت الرسمي العربي فهو كذلك مفهوم.
مشكلة نظام البشير أنه ليس صديقاً مباشراً لأحد أقطاب المنطقة، فهو شارك على استحياء في التحالف العربي في اليمن لكنه لم يدعم حصار قطر. المتتبع إعلامياً يجد ارتباكاً في تغطية مظاهرات السودان وكأن أحداً لا يعرف ما يجب فعله، وهو سؤال مشروع، ما الذي يجب فعله تجاه السودان ومظاهراتها؟
في موجة الربيع الأولى كان التدخل الخارجي هو العامل الحاسم في فشل الثورات في تحقيق أهدافها، صراع الأقطاب أو التدخل الدولي أو دعم الثورات المضادة كل ذلك أفسد المطالب الأساسية للثورات أو أسرع في تحولها نحو التسلح.
لذلك أفضل ما يمكن فعله الآن هو ترك الأمر في السودان لأهله، إعلامياً وسياسياً، لا أعني بذلك إهماله وعدم تغطيته إعلامياً أو القيام بأعمال الوساطة السياسية ولكن ترك الحماس الزائد من الخارج وتحميل الموقف ما لا يطيقه وعدم توظيف ما يحدث في إطار النزاعات السياسية في المنطقة.
مع الأسف نعلم أن ذلك لن يحدث في ظل بيئة الاستقطاب الحاد ولكن يمكننا على الأقل كأفراد أن نكتفي بمتابعة التطورات والدعاء للسودان وأهله وتجنيبهم صراعاتنا.
قطر من ناحيتها وكما فعلت مع بداية التظاهرات في سوريا تواصلت سياسياً مع النظام سعياً نحو حل للأزمة، وهذا ما ينبغي في هذه الظروف، ونسأل الله الحماية والسداد لأشقائنا في السودان.
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر.
المصدر: الشرق – الدوحة
عذراً التعليقات مغلقة