هل سينقلب القطب الشمالى؟

أحمد عزت سليم12 مارس 2020آخر تحديث :
هل سينقلب القطب الشمالى؟

هل سينقلب القطب الشمالى؟

القلق يجتاح العالم الآن

مازال يجتاح العالم الغربى قلقل واسع النطاق بسبب تحرك القطب الشمالي وانحرافه مسرعاً نحو سيبيريا ، ويتحدث عن الانحراف العالم وليام براون William Brown  من هيئة المسح الجيولوجي البريطانية British Geological Survey: “أنه يجب أن تضع مقدار الانحراف في عين الاعتبار ، حتى إذا كنت فقط تتسلق المرتفعات – فقد يكون الاختلاف بقدر الفرق بين أن تذهب يساراً أو أن تمضي قُدُماً ” ، ولكن المسألة الأخطر ليست أن بوصلتك قد تنحرف بفعل تغيرات موضعية في المجال المغناطيسي المحلي بل هي في أن القطب الشمالي نفسه لم يعد ما كان عليه ، ففي عام 1900 كان القطب في كندا ، وبعد ذلك بقرن ، كان قريباً من غرينلاند ، وفي الـ 18 سنة الأخيرة اندفع شرقاً بسرعة 40 كيلومتراً تقريباً في العام ، وهو يتجه الآن نحو سيبيريا ، والقصة ليست في أن بوصلتك قد تنحرف بفعل تغيرات موضعية في المجال المغناطيسي المحلي بل هي في أن القطب الشمالي نفسه لم يعد ما كان عليه ، ولا تنتهي قصة السلوك الغريب لمجال الأرض المغناطيسي هنا فهو عادة ما يعكس قطبيته أيضاً : ــ  فقد كانت هناك أوقات من تاريخ كوكبنا كانت منها إبرة البوصلة تشير إلى ما نسميه الجنوب وحتى الآن ، كما أن هناك مواقع تحت السطح تشير فيها البوصلة إلى الاتجاه الخاطئ ، والحقيقة فإن هذا يشمل تضمينات عميقة للتكنولوجيا ولمستقبل كوكبنا وكما يرى الباحث مايكل بروكس . لكي نعالج المسألة بصورة مناسبة ، ربما سنكون بحاجة إلى أن نفعل ما فعله جولز فيرن Jules Verne ونرتحل إلى مركز الأرض ، حيث مصدر المجال المغناطيسي .

هناك أكثر من قطب واحد

لكن هذا أمر غير عملي تماماً . بدلاً من ذلك ، فقد سعت العقول المبدعة بقوة علمية بحثاً عن أقطاب متجمدة في أعماق الكوكب منذ أحقاب قديمة ، وبنت كرات دوّارة عملاقة من الصوديوم السائل ، وجميع هذا قد يساعدنا على فهم كوكبنا فهما أفضل ، وأن نتجنب العواصف الشمسية ، وعلى الرغم من أن قلةً منّا فقط قد وصلوا إلى مناطق قريبة من القطب الشمالي ، فإنه مَعْلَم مألوف كما نشعر نحو وادي غراند كانيون أو قمة إيفرست ، فالأطفال يعرفونه على أنه المكان الذي يعيش فيه بابا  نويل ، ولكن هناك أكثر من قطب واحد عند سقف العالم ، فهناك القطب الشمالي الجغرافي ، الذي هو نقطة تلاقي محور دوران الأرض مع سطحها ، وهناك القطب الشمالي المغناطيسي ، حيث يشير المجال المغناطيسي للكوكب إلى الأسفل مباشرة ، إنها تلك النقطة التي تتحرك ، كما يفعل نظيرها في الطرف الآخر من الكوكب ؛ فالقطب الجنوبي المغناطيسي لا يوجد في وسط القارة المتجمدة الجنوبية ( أنتاركتيكا ) كما قد تتوقع بل أمام شاطئ منطقة تدعى أرض فيكتوريا  Victoria Land.

الفكرة العلمية التي انتصرت

وطوال قرون كانت آلية توليد مجال الأرض المغناطيسي وعمله سرّاً أثار اهتمام المفكرين بدءاً من رينيه ديكارت René Descartes إلى إدموند هالي Edmond Halley ، وحتى آينشتاين Einstein ذاته اعتبر ذات مرة أن مصدر هذا المجال هو إحدى أكبر المشكلات غير المحلولة في علوم الفيزياء ، وحاول تجربة الفكرة التي تقول إن هذا المجال هو ، بشكل ما ، نتيجة عدم تطابق بين الشحنات على جسيمين : ـــ الإلكترون ، والبروتون ، ولكن الفكرة التي قد انتصرت كانت تلك التي اقترحها أول مرة العالم الفيزيائي الإيرلندي جوزف لارمور Joseph Larmor قبل 100 سنة ، فقد اقترح العالم الفيزيائى جوزف لارمور أن المجال المغناطيسي كان نتيجة وجود سائل ناقل كهربائيّاً يضطرب في مركز الأرض ـــ أي مولد كهربائي أرضي Geodynamo ، لقد أصبح لدينا أسباب كثيرة تدعونا إلى الاعتقاد أن لارمور كان محقّاً. فنحن نعرف من موجات الصوت الارتدادية عبر كوكبنا أن له لبّاً ( نواة ) معدنيّاً مكوناً من جزأين: لب داخلي، أكثر حرارة بقليل من سطح الشمس ، بدرجة تبلغ 6000 درجة سيليزية ، لكنه يظل صلباً بسبب الضغط الهائل عليه ، وهناك لبُّ خارجيٌّ يتكون من حديد مصهور ، وهو أكبر حجماً من قمرنا بنحو سبعة أضعاف.

الدفق المتحرك للشحنات الكهربائية يولد مجالاً مغناطيساً

الفارق في درجة الحرارة بين الأطراف الخارجية والداخلية للنواة الخارجية يعني أن السائل يتدفق باستمرار مُولِّداً تيارات حمل حراري ( Convection currents ) فيصعد الحديد السائل (المصهور) الحار نحو السطح الخارجي للب الخارجي، ثم يبرد، ويصير فأكثر كثافة، فيهبط ثانية، والمعدن مشحون جدّاً بالإلكترونات ، وهذا الدفق المتحرك من الشحنات الكهربائية يولد مجالاً مغناطيساً.

ما يحدث سيكون بثمن باهظ

ولو أن حركة السائل كانت تعتمد على آلية الحمل الحراري وحدها ؛ لكان ممكناً للمجال المغناطيسي الأرضي أن يتخذ شكلاً بسيطاً نسبيّاً، ولكن دوران الأرض محوريّاً يدفع السائل ليدور باتجاه مختلف ، وبقوة Force تعتمد على مكان وجود هذا السائل في الكوكب، ويأتي مؤكدا أن دور اللزوجة Viscosity المتغيرة للمعدن السائل بسبب اختلاف الكثافات على مسافات مختلفة من اللب الداخلي ، وكل هذا يقود إلى نمط معقد من تدفقات مضطربة في اللب الخارجي؛ مما يخلق تشابكاً في خطوط المجال المغناطيسي ، باعتبار ذلك كله ، قد يبدو مثيراً للدهشة أن القطب الشمالي المغناطيسي لا يتحرك بصورة أكثر جموحاً، ولكن التدفقات تجري بسرعة بطيئة، ويقول غاري غلاتسمير Gary Glatzmaier من جامعة كاليفورنيا University of California في سانتا كروز: “عندما نقول إن التدفق مضطرب، فنحن نعني أن هذا يحدث على مقياس زمني يمتد عبر عشرات الآلاف من السنين” وطوال الـ 18 سنة الماضية، كان القطب الشمالي يتجه بسرعة نحو الشرق، وهو حاليّاً يتحرك باتجاه سيبيريا ” يمكن تفسير تجول القطبين من خلال اضطراب الحركة البطيئة هذه، لكن من غير الواضح ما سيحدث بعد ذلك: هل يستمر القطب الشمالي بالتحرك؟ و إلى أي مدى؟ هل يوشك على انقلاب كلي؟ هذه أسئلة تستحق أن تُطرح عالميا وعلميا، فنحن نعلم أن المجال المغناطيسي للأرض ، قبل كل شيء ، يعكس الجسيمات المشحونة القادمة من الرياح الشمسية بعيداً عنّا، التي كانت ستنهمر على أرضنا لولاه، لا أحد يتوقع حدوث خطب كبير بسرعة. ولكن إذا حدث ذلك؛ فسيكون الثمن باهظاً.

موضوعات تهمك:

كيف تعيش الرأسمالية العالمية؟

بين الليبرالية والرأسمالية

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة