إضافة إلى تقديم السلاح، تبذل واشنطن جهودا مضنية لدعم أوكرانيا استخباراتيا وماليا مع تجنب الظهور بأنها في مواجهة مباشرة مع روسيا.
منذ بداية أزمة أوكرانيا، تجنب بايدن جعلها أزمة روسية أميركية، وأراد أن يصورها فقط كأزمة تتعلق بسيادة أوكرانيا وانتهاكات روسيا للقانون الدولي.
تبنت واشنطن سياسة ثلاثية الأبعاد: عقوبات ضخمة على روسيا؛ نشر آلاف الجنود الأميركيين بدول الناتو المجاورة لأوكرانيا؛ مساعدة أوكرانيا عسكريا وماليا.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
بعد شهرين ونصف الشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تزداد التساؤلات داخل واشنطن وخارجها حول المدى الذي ترغب فيه إدارة الرئيس جو بايدن الذهاب إليه في مساعدة أوكرانيا في محاربة الروس في الوقت الذي تحاول فيه أيضا تجنب استفزاز موسكو والانجرار إلى الصراع المباشر معها.
وأشارت تقارير مؤخرا إلى أن مشاركة واشنطن المعلومات الاستخباراتية مع كييف، قد أسهم في توجيه ضربات ناجحة ضد كبار القادة الروس والسفينة الحربية المهمة في البحرية الروسية “موسكفا”.
ويصر مسؤولو الإدارة على أن هناك قيودا واضحة على المعلومات الاستخباراتية التي تشاركها واشنطن مع أوكرانيا، بما في ذلك حظر تقديم معلومات استخبارية دقيقة لاستهداف كبار القادة الروس، كجزء من جهود البيت الأبيض لتجنب تجاوز خط قد تعتبره موسكو تصعيديا خطيرا.
ومنذ بداية الحرب كان لدى إدارة بايدن خطا أحمر واضح جدا تؤكد أنها لن تعبره. وهذا الخط هو أن القوات الأميركية لن تتدخل في القتال ضد القوات الروسية الغازية في أوكرانيا، حيث إنها دولة لا تتمتع بعضوية حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وقال بايدن “كما تعلمون أن تدخل قواتنا من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة”. وأكد بايدن أن بلاده ستتدخل عسكريا فقط للدفاع عن كل شبر من أراضي دول حلف الناتو إذا تعرضت أيٌّ منها لأي اعتداء.
لكن من شأن متابعة دقيقة لتطورات وخطوات التعامل الأميركي تجاه الحرب الأوكرانية أن تترك بعض الشكوك في مصداقية تأكيدات واشنطن بعدم التدخل في الصراع بصورة مباشرة، سواء تم ذلك برغبتها المباشرة، أو أنها ستضطر للتدخل رغما عنها.
وأتصور أن ما تشهده ساحة التعامل الأميركي مع الحرب في أوكرانيا خلال الأسبوعين الأخيرين، ما هو إلا اقتراب أميركي أكثر وأكثر من الخط الأحمر السابق الإعلان عنه بتجنب التورط في القتال.
وحتى الآن، لم تتخذ روسيا أيَّ إجراء مباشر ضد الولايات المتحدة أو أيٍّ من دول حلف الناتو ردا على الدعم العسكري والاستخباراتي المستمر.
ولم تحاول روسيا ضرب شحنات الأسلحة التي تتدفق عبر بولندا، ومؤخرا فقط بدأت روسيا في استهداف شبكة السكك الحديدية داخل أوكرانيا التي يُعتقد أنها تحمل أسلحة أميركية وغربية في طريقها للقوات الأوكرانية.
وتدرك روسيا أنه عندما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية التقليدية، فإن الولايات المتحدة تتفوق كثيرا على روسيا، ويدفع ذلك ببعض الخبراء للقلق خشية أن تضطر روسيا للرد بطرق غير تقليدية.
منذ بداية أزمة أوكرانيا، هدف الرئيس بايدن لعدم جعلها أزمة روسية أميركية، وأراد أن يصوّرها فقط كأزمة تتعلق بسيادة أوكرانيا وانتهاكات روسيا للقانون الدولي. وتبنت واشنطن سياسة مبدئية ثلاثية الأبعاد، أولها تمثل في فرض عقوبات ضخمة على روسيا، وثانيها تمثل في إرسال آلاف الجنود الأميركيين للانتشار في دول حلف الناتو القريبة من أوكرانيا، وثالثها تقديم مساعدات عسكرية ومالية للجانب الأوكراني.
إلا أن هذه الإستراتيجية شهدت تطورا وتغييرا دفع بوزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف للتهديد بما تعتبره بلاده عداء أميركيا سافرا يتمثل في تقديم أسلحة هجومية للجانب الأوكراني بما يتسبب في مقتل مئات وربما آلاف الجنود الروس.
وتحدث لافروف عن الخطر المتزايد لحرب نووية أو لاشتعال حرب عالمية ثالثة، وقال الوزير الروسي قبل أيام إن “المخاطر الآن كبيرة” عند تقييم احتمال تحول الحرب في أوكرانيا إلى صراع نووي.
وقبل أيام طالب الرئيس بايدن الكونغرس بتخصيص تمويل إضافي بقيمة 33 مليار دولار بهدف زيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا لتمكينها من مواجهة الجيش الروسي. وقال بايدن “نحن بحاجة إلى مزيد من الأموال لضمان استمرار الولايات المتحدة في إرسال الأسلحة وتقديم المساعدة الإنسانية لأوكرانيا”.
ويوميا، وعلى مدار الساعة، تصل أوكرانيا أسلحة وذخائر أميركية بما في ذلك أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات والمروحيات والطائرات دون طيار وقاذفات القنابل اليدوية وأكثر من 50 مليون طلقة من الذخيرة.
إضافة إلى تقديم السلاح، تبذل واشنطن جهودا مضنية لدعم الجانب الأوكراني استخباراتيا وماليا مع تجنب الظهور بأنها في مواجهة مباشرة مع روسيا.
ورغم رفض جهاز الخدمة السرية الخاص بحماية الرئيس بايدن قيامه بزيارة كييف، قررت واشنطن إرسال وزيري الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن معا. ومثلت زيارة الوزيرين، وما أعقبها من زيارة كبار أعضاء الكونغرس لكييف ولقائهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي خطوة مهمة إضافية في التصعيد الأميركي وإظهار الدعم الكامل لأوكرانيا في الوقت ذاته.
وعقب زيارته لكييف، سُئل وزير الدفاع أوستن عن أهداف واشنطن في أوكرانيا، فرد بالقول “نريد أن نرى روسيا تضعف إلى درجة أنها لا تستطيع القيام بما قامت به في غزو أوكرانيا مرة أخرى”. وببساطة يعني ذلك أن تخرج روسيا من الصراع الأوكراني دولة ضعيفة إستراتيجيا.
وأشارت تصريحات الوزير إلى أن هدف واشنطن الحقيقي هو إضعاف القوة العسكرية الروسية لسنوات مقبلة.
ثم شكّلت واشنطن مجموعة اتصال من 40 دولة، اجتمعت الشهر الماضي في ألمانيا، بهدف تنسيق إعادة تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية على المدى الطويل. وأعلنوا أن أوكرانيا ستبدأ بمرور الوقت في استخدام أنواع الأسلحة الحديثة التي تستخدمها جيوش الناتو، وما يستتبعه ذلك من تدريبهم على استخدامها.
وقامت واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة بتدريب الآلاف من الأوكرانيين خارج البلاد على الأسلحة ثم نقلوها لداخل أوكرانيا.
في بداية الحرب، ذكرت واشنطن أن أهدافها في هذا الصراع تتعلق بأوكرانيا أكثر مما تتعلق بروسيا. وكان الأمر يتعلق بمحاولة إدارة بايدن دفع الروس إلى سحب قواتهم بعيدا عن الحدود، وشمل ذلك محاولات إقناع الروس بالدخول في مفاوضات وعملية دبلوماسية مع الأوكرانيين. وتزامن ذلك مع فرض عقوبات اقتصادية لزيادة تكلفة الحرب بالنسبة لروسيا.
ما تقوم به واشنطن يعكس مسارا محفوفا بالمخاطر من عدة جهات، ويمكن أن يسير الدعم الأميركي لأوكرانيا على نحو خاطئ. ففي الوقت الذي تشحن فيه واشنطن أسلحة فعالة وأسلحة ثقيلة بسرعة شديدة إلى أوكرانيا، يعتبر الروس هذا عملا هجوميا. وعلينا أن نتخيل أنه في مرحلة ما، سيقول الروس، إننا سنستهدف هذه الشحنات داخل أراضي حلف الناتو سواء في بولندا أو رومانيا. وهذه هي اللحظة التي لا يريدها أحد، إذ تعهد بايدن مرارا وتكرارا بأنه سيدافع عن كل شبر من أراضي الناتو.
وهذه هي المقامرة الكبرى التي يخوضها جو بايدن دون أن يدري!
* محمد المِنشاوي كاتب وباحث في الشأن الأميركي من واشنطن
المصدر: الجزيرة نت
موضوعات تهمك: