حرب “أفيون” القرن الواحد العشرين، ينفذها نظام الأسد بأدوات ووسائل عصرية!
بعد إدراك الأردن أنه أمام مخاطر أمنية استثنائية قادمة من حدوده الشمالية، ما الخيارات التي يملكها لمواجهة هذا التحدي؟
الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً كبيراً على الحدود الشمالية، نتيجة متغيرات تشهدها تلك الحدود جرّاء الانسحاب الروسي من جنوب سورية.
تشكيل منطقة آمنة في جنوب سورية، أو شريط عازل على طول الحدود، يستدعي مساعدة دولية، قد لا تكون ممكنة في هذه الظروف.
تيقّن صانع القرار الأردني أن المشكلة مع النظام السوري ليست حصارا اقتصاديا كما يدّعي النظام، بل حسابات من نوع آخر، بعضها ذو طابع انتقامي.
ضرب شبكات التهريب يعني الاصطدام مباشرة بجيش النظام الراعي لها، وربما يؤوي مصانع المخدّرات ضمن قطعه العسكرية، فهل الأردن مستعدٌّ لحرب مباشرة؟
طالب ملك الأردن المجتمع الدولي بمقاربة وضع سورية بناء على عدم سقوط النظام، وأن تأثيرات العقوبات على سورية تتجاوزها للمنطقة بحكم الترابط الجغرافي والعلاقات الاقتصادية.
* * *
بقلم: غازي دحمان
أعلن الأردن، أخيراً، أن ما يجري على حدوده مع سورية، من عمليات لتهريب المخدرات، هو شكّل من الحروب، تشنها عليه قوى منظمة ذات إستراتيجيات بعيدة المدى، وتتعامل بتكتيكاتٍ حربية، وتستخدم تقنيات وأدوات جيوش حديثة.
بل تذهب التقديرات الأردنية إلى أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً كبيراً على الحدود الشمالية، نتيجة متغيرات تشهدها تلك الحدود جرّاء الانسحاب الروسي من جنوب سورية.
ويشي تصنيف الأردن هذه الأحداث حرباً ضده بأن تقديره مستوى المخاطر والتهديدات الناجمة عنها مرتفع. وبالتالي، ستكون الاستجابة على المستوى نفسه، بما يعنيه ذلك من استعدادات عسكرية مناسبة وحشد للموارد وتكييف للتكتيكات تتناسب مع طبيعة الخصم وأساليبه في هذه الحرب.
حاول الأردن، في البداية، تصوير الأمر مجرّد اختراقات للأجهزة الأمنية والجيش السوري، حتى لا تترتب على ذلك ردود فعل موازية، إلا أن الأردن، ومع كثافة تهريب المخدرات، اضطر إلى رفع مستوى المواجهة من خلال الإعلان عن تغيير قواعد الاشتباك والتعامل ومنح الجيش سلطة استخدام القوّة الساحقة مع المهرّبين، أراد صانع القرار الأردني من ذلك دفع نظام الأسد إلى تغيير سياساته تجاه الأردن، ومنحه فرصةً لفعل ذلك.
وقد زار وزير دفاع الأسد علي أيوب عمّان، في سبتمبر، وكانت قضية تهريب المخدّرات من سورية إلى الأردن في مقدّمة مباحثاته مع رئيس الأركان الأردني اللواء يوسف الحنيطي.
جرى ذلك، في وقت كانت للأردن استراتيجية طموحة لتحويل المخاطر السورية إلى فرصة عبر التجارة والفوائد المشتركة، وقد طالب الملك عبد الله الثاني القوى الفاعلة في المجتمع الدولي، بشكل صريح، بإعادة مقاربة الوضع في سورية والموقف من النظام بناء على معطيين:
عدم سقوط النظام، وأن تأثيرات العقوبات على سورية تتجاوزها إلى المنطقة بحكم الترابط الجغرافي وشبكات العلاقات الاقتصادية.
وجرى إدراج هذه الرؤية في ما سميت “اللاورقة الأردنية” التي تنص على الانفتاح التدريجي على النظام، على اعتبار أن ذلك يمثل استراتيجية الحد الأقصى للتعاطي مع الأزمة السورية في سياق الواقع الدولي الحالي.
بيد أن هذه المرحلة يبدو أنها انتهت، وجرى إغلاق الباب خلفها بعد تيقّن صانع القرار الأردني أن المشكلة مع النظام السوري ليست حصارا اقتصاديا كما يدّعي النظام، بل حسابات من نوع آخر، بعضها ذو طابع انتقامي، عبّر عنه عضو مجلس الشعب خالد العبود، الذي أكّد أن نظامه لن ينسى أن الأردن ساهم بـ”الكارثة السورية”، والعبود لا يقول هذا من دون طلب من أجهزة الأسد الأمنية.
هي إذن حرب “أفيون” القرن الواحد العشرين، ينفذها نظام الأسد بأدوات ووسائل عصرية، يهدف منها إلى تدمير المجتمعات العربية في الأردن والخليج، وهي عملية منسّقة ومخطّطة، تنطوي على تفتيت المجتمعات واختراق الجيوش والأجهزة الأمنية، ودفع الدول المستهدفة إلى الانكفاء على ذاتها، وصرف طاقاتها في معالجة الأعطاب التي سيخلفها فيضان الحبوب المخدّرة، والتي زاد ما صودر منها عن عشرين مليون حبة في أشهر معدودة.
ولم يكن صعباً استنتاج أن هذه الحرب ليست من صناعة شبكات تهريب المخدرات، بل هي من فعل دول وأجهزة أمنية، فالمؤشّرات على ذلك كثيرة:
– أنها تجرى في سياق عمليات منظمة، يدل على ذلك حجم الشحنات الكبير، وانطلاقها من أماكن سيطرة الفرقتين الرابعة والحادية عشرة، وهما من ضمن هيكلية جيش النظام، وليستا قوى ميليشياوية.
ومعلوم أن هذا النوع من العمليات معقّد، يحتاج ترتيبات لوجستية كبيرة، كما أنه، وبالكميات التي يجرى بها، يحتاج كوادر ضخمة لتأمين الطرقات وإيصاله إلى المناطق الحدودية، ورصد تلك المناطق ونوعية الحراسات والتجهيزات العسكرية، وواضح أن هناك كميات كبيرة جرى تمريرها بنجاح، وإلا لو كانت كل عمليات التهريب قد جرى إحباطها، لتوقفت العملية بسبب عدم الجدوى.
– الاحترافية والقدرات الكبيرة التي تتمتع بها عصابات التهريب، وكذلك استخدامها تقنيات وأدوات متطورّة، مثل الطائرات المسيّرة والمركبات الحديثة، وتنظيمها الهجمات على الجيش الأردني، وهذا يعني وجود جهاتٍ تقوم بالتدريب والإرشاد وتقديم المعلومات الاستخباراتية.
والسؤال الآن، بعد إدراك الأردن أنه أمام مخاطر أمنية استثنائية قادمة من حدوده الشمالية، ما الخيارات التي يملكها لمواجهة هذا التحدي؟ تؤشّر تصريحات القادة العسكريين والأمنيين الأردنيين إلى وجود ثلاثة خيارات، قد يجرى تبني أحدها حسب الظروف والمقتضيات:
خيار ضرب شبكات التهريب التي تقدرها مصادر أردنية بـ160 شبكة في جنوب سورية، وللأردن خبرة سابقة في التعاطي الأمني مع المهرّبين، لكن الإشكالية الآن أن تنفيذ هذا الخيار يعني الاصطدام مباشرة مع جيش النظام الذي يرعى هذه الشبكات، وربما يؤوي مصانع المخدّرات ضمن قطعه العسكرية، فهل الأردن مستعدٌّ لحرب مباشرة؟
خيار تشكيل جيش من دول المنطقة، فقد تواترت تصريحات أردنية رسمية وإعلامية أن الأردن يحمي دول المنطقة بمواجهته تجارة المخدرات، فهل يتشكّل جيش عربي لردع منظومة الأسد عن تهريب المخدّرات وتهديد أمن دول المنطقة واستقرارها؟
تشكيل منطقة آمنة في جنوب سورية، أو شريط عازل على طول الحدود، وهذا يستدعي مساعدة دولية، قد لا تكون ممكنة في هذه الظروف.
في كل الأحوال، يبدو أن الأردن لم ينج من سهر الليل الطويل، الذي طالما حذّر منه السياسي المخضرم سعد هايل السرور، على الحدود الشمالية، وسيكون مقبلاً على خيارات قاسية، ويبدو أن نظام الأسد، الغارق في الدمار السوري، يريد رؤية مشهد عربي مدمّر حتى يتساوى الجميع في الضياع.
* غازي دحمان كاتب وباحث سوري
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: