نشرت العديد من التقارير، السبت، تفاصيل جديدة مع مرور الذكرى الرابعة والخمسين على حرب 1967، أو كما يسميها العرب نكسة 67 التي هزمت فيها الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال الصهيوني، وعلى رأسها مصر، مع فقدان مساحات واسعة من الأراضي العربية، تم تحرير بعضها والبعض الآخر لا يزال حتى اليوم تحت قبضة الاحتلال.
في الوقت الذي تحدثت فيه التقارير عن شرق أوسط جديد تشكل بعد الحرب، فيما نشرت معلومات لاول مرة وفقا لوثائق كشفت بريطانيا السرية عنها مؤخرا.
المحتويات
نكسة 67 ماذا فعل العرب؟
وتشير التقارير إلى أن إحدى أسباب وقوع تلك الحرب، هو اشتداد هجمات المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الكيان الصهيوني، وهو ما قوبل بردود انتقامية من جانب المحتل، كان أبرزها هجوما لطائرات الاحتلال على قرية السامو في الضفة الغربية المحتلة، مما تسبب في استشهاد 18 فلسطينيا وإصابة 54 جريحا، في الوقت الذي زادته فيه التوترات بين إسرائيل وسوريا، مع إسقاط الاحتلال لستة طائرات حربية سورية.
في الوقت الذي قطع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الشك باليقين في دعمه لسوريا، في الرابع عشر من مايو، أقدم على حشد القوات في سيناء وأعلن التعبئة العامة للجيش المصري وأدخل القوات إلى سيناء، وبعدها بأربع أيام طالب قوات الأمم المتحدة المحايدة التي كانت على الحدود بين مصر وإسرائيل بالرحيل.
ليقوم الزعيم المصري جمال عبدالناصر بإصدار قرر إغلاق الملاحة البحرية لمحاصرة إيلات، ويوم 30 مايو وقع الملك الحسين في القاهرة اتفاقية دفاع مشترك بين مصر والأردن، لينضم لاحقا العراق لكليهما.
ووصف تقرير بي بي سي “حرب 1967: كيف غيرت ستة أيام الشرق الأوسط”، أن ما حدث هو أن الشرق الأوسط كان يجمع عملاقان، إلا أن العرب على قوتهم وجيوشهم المدججة بالسلاح، لم يكونوا على استعداد للقتال، في الوقت الذي أشارت فيه إلى الخطاب الإعلامي المصري، الذي كان يتحدث ليل نهار عن الحرب مع إسرائيل وإنهاء أسطورة بقاءها في المنطقة، خاصة تلك الخطابات التي كان يبثها الإذاعي أحمد سعيد وتثير الرعب في قلب الإسرائيليين، في الوقت الذي تطمأن فيه العرب بأن نصرا سهلا سيحققونه.
لكن في ذات السياق، كان جنرالات جيش الاحتلال وجنرالات في الجيش المصري ما عدا قائد الجيش عبدالحكيم عامر الذي كان يفتقر للكفاءة، لديهم قناعة بأن الحرب لن تكون لصالح العرب وقد يخسرون فيها الكثير، مشيرة إلى أنها كانت قناعة الملك حسين أيضا.
نكسة 67 ودوافع ناصر
وفي حرب الست أيام احتل جيش الاحتلال كلا من سيناء وقطاع غزة من مصر والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، والتي كانت تحت السيطرة الأردنية، ومرتفعات الجولان من سوريا.
ونقلت بي بي سي عن مؤرخن بريطانيين تأكيدهما أن الاتحاد السوفيتي دفع عبدالناصر لتلك الحرب، حيث كان يرغب في تدمير البرنامج النوي الإسرائيلي، لكنها أشارت أيضا إلى ان عبدالناصر كان يفكر في احتمالين، أن يدفع بالإسرائيليين نحو البحر، وبذلك يخلص العرب منها للأبد ويعامل باعتباره زعيم العرب، أو أن تتخطى إسرائيل الحد ووقتها تتدخل القوى العظمى كما حدث في العدوان الثلاثي عام 1956، لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار، ليحصل على نصر سياسي جديد.
وقال الباحث والمحلل جي لارون صاحب كتاب “حرب الأيام الستة: تدمير الشرق الأوسط”، قوله أن الحرب لم تكن ناتجة عن مجرد احتكاك إقليمي، بل إنها نتيجة حتمية للسياسات الأمريكية والسوفيتية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم وقتها، بالإضافة لدخول سوريا كطرف رئيسي في الصراع، وهو ما عجل بالحرب.
نكسة 67 ماذا عن موقف البريطانيين؟
ووفقا لتقرير هيئة الإذاعة البريطانية “وثائق تكشف مفاجئات دور بريطانيا في حرب 1967″، نقلا عن وثائق دائرة المعارف البريطانية، فإن الحكومة البريطانية آنذاك كانت تخشى من أربعة عواقب بعيدة المدى لو انتصرت مصر في أزمة إغلاق تيران التي أشعلت الحرب على الوضع العام في المنطقة.
ووفقا للوثائق فإن الحكومة قدمت في تعاملها مع الأزمة مصالحها مع العرب على تأييد الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يستجب لمطالبات عدم خوض تلك الحرب.
وأشارت الوثائق البريطانية إلى أن العرب يوم الاجتياح الصهيوني للأراضي العربية وعلى رأسها شبه جزيرة سيناء، في الخامس من يونيو 1967، هددوا بسحب أرصدتهم بالجنيه الاسترليني من بنوك بريطانيا للضغط على لندن لوقف تأييدها لإسرائيل وإقرار بريطانيا بحق مصر في التحكم بحركة السلع الاستراتجية المتجهة إلى إسرائيل عبر خليج العقبة، وهو الذي أغلقته مصر وكان بمثابة شريان حياة بالنسبة للكيان الصهيوني.
وفي الوثائق أيضا فقد حرصت حكومة بريطانيا برئاسة هارولد ويلسون على عدم إغضاب العرب، كما كانت تحرص على استمرار وجود “دولة إسرائيل”، حيث طرحت أفكار تتعلق بمحاولات إنهاء إغلاق الخليج وضمان حرية الملاحة وتجنب الظهور بمظهر العدو للعرب.
وأكدت الوثائق أن بريطانيا رفضت خطة أمريكا لتشكيل قوة عسكرية أمريكية بريطانية مشتركة لإنهاء الإغلاق وضمان حرية الملاحة في خليج العقبة،وفي اجتماع لمجلس الوزراء البريطاني يوم 25 مايو 1967، فقد اتفق الوزراء على رفض نهج أمريكا الذي اعتبرته يضر بمصالح لندن.
وأشارت إلى أن بريطانيا توقعت انتصار الكيان الصهيوني قبل بدء الحرب بستة أيام، وفي مذكرى عن الأزمة في الشرق الأوسط إلى مجلس الوزراء يوم 29 مايو من نفس العام قال وزير الخارجية البريطاني أن تقدير الاستخبارات البريطانية والأمريكية هو أن الأرجح انتصار إسرائيل.
ولفتت إلى أن التقارير التي تحدثت عن حلف عسكري ليبي جزائري عراقي، إلى جانب مصر وسوريا والأردن، لمحاربة الاحتلال قد يعبر عن خطر يواجهه الإسرائيليون، لاقت ردا أمريكيا بتأكيد التدخل لأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون الإسرائيليين يلقون في البحر.
وألحق بالمذكرة تقريرا بحول السيناريوهات المحتملة للأزمة ووفقا للتقرير فإنه لو سمح لمصر بأن تواصل إغلاق المضيق وتحتفظ بانتصارها الدبلوماسي والعسكري فإن عواقب تلك الترضية ستكون بعيدة المدى، مضيفا ان المحتمل ان تشمل تلك العواقب الإطاحة بالنظام ي الأردن أي تسوية في جنوب شبه الجزيرة العربية ستكون مستحيلة إلا وفق شروط جمال عبدالناصر، وستكون أنظمة الدول الأخرى التي تتركز فيها المصالح الأمريكية والبريطانيا عرضة للاختراق الناصري كما سيصبح وقوع حرب لتدمير إسرائيل حقيقة لا مفر منها.
وقد خلصت الخارجية البريطانية وفقا للاحتمالات الواردة في التقارير إلى أنه مهما يكن موقف البريطانيين فسيكون واضحا مناهضتهم للعرب وموالاتهم لإسرائيل، ولذلك فقد أوصى بشكل رئيس تتبع النهج الأقل ضررا.
وفي الاجتماع المنعقد يوم الثلاثين من مايو قبل الحرب بخمسة أيام، قرر مجلس الوزراء بعد استعراض تقارير الخارجية، أن يعطي الأولوية لحماية مصالح بريطانيا الاستراتيجية، وبحسب محضر الاجتماع فإنه كان على الحكومة البريطانية السعي لضمان ألا تؤدي تلك التغييرات إلى سلسلة من انتصارات عربية تهدد الوجود الإسرائيلي.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء في اليوم التالي للحرب، بعد لقاء وزير الخارجية البريطاني مع السفراء العرب بعد مطالبتهم بذلك، تحدث الوزير عن اللقاء ووفقا لوثائق محضر الاجتماع قال الوزير أن الموقف المبدئي لديهم كان الاحتجاج القوي مؤكدين انهم سوف يوصون بشكل جماعي حكوامتهم بسحب الأرصدة بالجنيه الاسترليني، لكن الوزير قال في الاجتماع أنه نجح في طمأنتهم بشان موقف بلاده.
وبحسب الوثائق فإنه بعد نكسة 1967 بثلاثة أيام ومع ظهور الدلائل على انتصار إسرائيل، ناقش اجتماع الحكومة البريطانية، الوضع في الشرق الأوسط في ظل استعدادت القمة العربية في الخرطوم في شهر أغسطس، وأكد وزير الخارجية على أن القمة قد تناقش صياغة بيان مشتركا حول وقف إطلاق النار وإمدادات البترول والعلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا وأمريكا، ليقر الاجتماع بضرورة العمل بما تقتضيه مصالحهم الرئيسية من خلال إعادة تأسيس علاقات مع الدول العربية على أساس الصداقة قدر المستطاع.
نتائج نكسة 67
وقد نتج عن تلك الحرب احتلال الأراضي العربية، في الوقت الذي نقل فيه تقرير الهيئة عن حيرمي بوين الصحفي المخضرم، أن إسرائيل في ستة أيام تمكنت من تدمير قدرات الجيش المصري والسوري والأردني.
لكن مصادر تاريخية إلى انتصار اكتوبر 1973 لصالح مصر، وأن تلك الحرب وضعت الدولة المصرية في عداء سيستمر للأبد مع إسرائيل، في الوقت الذي تحدث فيه عن تحول الرؤية الأمريكية لإسرائيل على اعتبارها القوة العسكرية البارزة في الشرق الأوسط، لتتحول إلى متبن للدولة العبرية، بدلا من بريطانيا التي ارتأت أن تقليص الدور أنسب لحماية المصالح مع العرب، وفقا لوثائق دائرة المعارف البريطانية.
ومع اليوم الرابع للحرب، انتقد وزير الخارجية الأمريكي أنذاك دين راسك، احتلال الضفة الغربية المحتلة، مؤكدا أنه في حال استمرار الاحتلال فإن الفلسطينيين سيمضون بقية القرن في محاولة استعادتها.
في الوقت الذي علم الفلسطينييون أن تحرير اراضيهم لن يكون سوى بأيديهم فشرعوا في بناء جماعات التحرر الوطني، بدءا من منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الزعيم ياسر عرفات، إلى الجماعات المستمرة في الحرب ضد الاحتلال إلى اليوم.
وقال المؤرخ الإسرائيلي البارز توم سيجيف مؤلف كتاب “إسرائيل والحرب: السنة التي غيرت وجه الشرق الأوسط”،لوكالة رويترز، أن حرب الستة أيام لم تنته قط فعليا ولا يزال اليوم السابع مستمرا منذ ذلك الحين ويؤثر على الجميع كل يوم وكل دقيقة”.
موضوعات تهمك: