بقلم: طارق الحميد
ها هو نظام طاغية دمشق يقدم اعتذارا لتركيا عبر الأمم المتحدة، متعهدا بأن لا يعاود تكرار الهجوم على الأراضي التركية بالمورتور، وذلك بعد مقتل خمسة مواطنين أتراك نتيجة قصفه للأراضي التركية، مما نجم عنه قيام أنقرة بالرد بالقصف على الحدود السورية، فماذا يقول لنا هذا الاعتذار الأسدي؟
الإجابة البسيطة هي أن نظام الأسد، الأب والابن، «يخاف ما يستحي» كما يقول المثل العامي، فقد انسحب الأسد الأب من مواجهة الأتراك بعد أن هددوه بسبب إيوائه عبد الله أوجلان. وها هو الابن يهرع لتقديم الاعتذار لتركيا اليوم! وهذه الحادثة تشرح لنا أسباب تمادي الأسد في جرائمه التي يرتكبها بحق السوريين، وأهم سبب لذلك هو أن الأسد لم ير حتى الآن مؤشرا حقيقيا على التدخل الدولي في سوريا، سواء تحت مظلة مجلس الأمن، أو خارجها، من أجل ردعه، ووضع حد لجرائمه. فلو رأى الأسد، مثلا، الطائرات تحوم فوق الأجواء السورية لفر من قصره بكل تأكيد، أو لوجدنا قواته تنهار بشكل سريع. فالقول بأن لدى الأسد نظاما جويا قويا ليس إلا دعاية، الهدف منها تبرير عدم التدخل الدولي لوقف جرائمه، فها هو الأسد يخور، ويعتذر، مع أول قصف تركي!
واعتذار الأسد لتركيا ليس بسبب القصف وحسب، بل لأنه تنبه إلى أن البرلمان التركي قد أطلق يد حكومته بتوجيه ضربات للنظام الأسدي، ولمدة عام كامل. والأسد كان يراهن طويلا على التباينات السياسية داخل تركيا نفسها، من معارضة وخلافه، وكان يعول على تلك التباينات، ويرى أنها تكبل يد السيد رجب طيب أردوغان باتخاذ قرار عسكري ضده، أي الأسد، لكن قرار البرلمان التركي، والذي أطلق يد السيد أردوغان، كان بمثابة الرسالة الواضحة للأسد بأن الأتراك يقفون خلف حكومتهم، ولا مجال للعب في هذا الأمر. وهذا تحديدا ما ينقص الموقف الدولي اليوم أمام جرائم الأسد. فطالما ليس هناك قرار دولي حاسم تجاه الأسد، أو تحالف فعال من قبل الراغبين في وضع حد لجرائم الأسد الذي حان وقت رحيله، فإن طاغية دمشق لن يتوانى عن ارتكاب المزيد من الجرائم بحق السوريين.
لذا، فإن درس الموقف التركي الأخير من الأسد يقول لنا إن الأسد يخاف لكن لا يرعوي عن قتل مزيد من أبناء شعبه الأعزل. وهذا ما ثبت أيام قصة عبد الله أوجلان في عهد الأسد الأب، وبعد عملية دير الزور الإسرائيلية في سوريا في عهد الأسد الابن، وكذلك قصف الأميركيين لمعسكرات الإرهابيين في البوكمال، وانسحاب الجيش السوري من لبنان على أثر التهديد الأميركي للأسد بعد اغتيال رفيق الحريري.
كل ما سبق يقول لنا إن نظام الأسد الإجرامي لا يفهم إلا لغة القوة، ولا تجدي معه الدبلوماسية، فالأسد يعتقد أن الدبلوماسية هي فن الضحك على الآخرين، أو كما قال المقرب من معمر القذافي عبد السلام جلود في حواره مع قناة «العربية» إن «الطاغية يعتقد أن الدبلوماسية هي الكذب».
ملخص القول إن الأسد لا يفهم إلا لغة القوة، وعدا عن ذلك فهو مضيعة وقت.