بقلم: حمد الماجد
التهديد الحقيقي لنظام بشار ليس من قرارات مجلس الأمن ولا من جامعة الدول العربية ولا المقاطعة الغربية، ولا الإعلام العربي، ولا تراجع الصين وروسيا، التهديد الحقيقي الذي جعل الرئيس بشار الأسد هذه الأيام شاحب الوجه غائر العينين سارح النظرات، هو الروح العالية للشعب السوري وثورته الباسلة التي راهن البعض على أن لها وقودا لا بد أن ينفد وطاقة لا بد أن تضعف وقبضة لا بد أن تتراخى، والرهان منطقي إذا أخذنا في الاعتبار ديكتاتورية النظام وبطشه ودمويته، لكن الشعب السوري عكس كل التوقعات. فالخط البياني للثورة السورية لو انخفض فهو محصلة طبيعية، فالطاقة البشرية محدودة ومحاولات قمع النظام للثورة شرسة للغاية، ولو استمر الخط البياني على نفس المستوى فهو إنجاز كبير في ضوء المعطيات السابقة، لكن أن يظل الخط البياني في تصاعد فهو المثير واللافت، ففي الأسبوع المنصرم ضربت المظاهرات على كامل التراب السوري رقما قياسيا غير مسبوق، 800 مظاهرة لم تكترث بالمجازر الوحشية ولا الاغتيالات والتصفية الجسدية ولا قصص الرعب التي تتسرب من تعذيب المعتقلين ولا اللقطات الوحشية التي وصلت إلى الإعلام العالمي وفيها ما لا يمكن وصفه من صنوف الوحشية وضروب التعذيب، آخرها لقطة وجدها الثوار مؤخرا في جوال جندي أسروه وقد بطح عددا من المتظاهرين السوريين على بطونهم أرضا ثم بدأ بالمشي بجزمته العسكرية الغليظة على وجوههم ورقابهم بكل عنف وقسوة يخبط بقدمه على كل وجه وكأنه يؤدي التحية العسكرية المعروفة! ومع ذلك يقابل المواطنون السوريون كل سيناريوهات الرعب النظامية لا بالمظاهرات والمسيرات فحسب، ولكن بالأغاني والأهازيج أيضا، وكأن القوم في عرس وليس في عالم من الرعب والبطش وسفك الدماء.
الأكثر إثارة ولفتا للانتباه في مشهد الثورة السورية أن مؤشر الخط البياني للثورة السورية المتصاعد لم يتأثر بانخفاض مؤشر الخط البياني للاهتمام العربي والإسلامي والدولي، فالمواقف العربية ما زالت من دون المستوى المأمول، ومواقف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا يشوبها حذر شديد بسبب تشابكات ملف النظام السوري الطائفية والإقليمية، وهذه المواقف الضعيفة ألقت بظلالها على المواقف الإقليمية، ناهيك عن أن العين الغربية على إسرائيل التي لا تنتظر بديلا أفضل من النظام السوري حارسا لبوابتها الشمالية. وعليه فيستحيل أن تتخذ الدول الغربية موقفا صارما يعمل على الإجهاز على نظام بشار من دون إشارة خضراء إسرائيلية. وأما الموقف التركي، وهو الذي يعول عليه السوريون كثيرا، فقد انكشفت سوأته، هل تذكرون تصريحات «الأسبوعين» التركية الشهيرة، والتي كان المسؤولون الأتراك يهددون بها النظام السوري بأن أمامه أسبوعين للتوقف عن قتل شعبه؟ كلها أمست سرابا، وحتى الموقف السعودي الحازم بضرورة تسليح الشعب السوري كحد أدنى للدفاع عن نفسه قوبل بفتور عالمي شديد حتى من بعض الدول العربية.
في ظل هذه المواقف الدولية والإسلامية والعربية الحذرة من الانجرار إلى مواجهة النظام السوري، ظل مؤشر الثورة في تصاعد مستمر توجته الثورة الأسبوع الماضي بمظاهرات وتحركات في مناطق ومحافظات كان النظام يراهن على استقلاليتها عن تأثيراتها، نستطيع أن نقول إن خلاصة تجربة الثورة السورية بعد مرور أكثر من سنة تقول: إن شعبا بهذه الشجاعة اللافتة، والروح القتالية العالية بحول الله لن يهزم، وإن نظام بشار فعلا آيل للموت، ليس بالضرورة الموت من النوع الفجأة، ولكنه الموت البطيء.