بإلهامٍ من تقنيات نسج السلال التقليدية ومرونة جلد الأفعى قامت المعمارية والمصممة الكندية الأردنية عبير صيقلي بتطوير حلٍ عملي وأنيق في الوقت ذاته لحاجة تأمين ملاجئ خفيفة الوزن ومتنقلة ومستقرة إنشائياً كحل يستخدم فيما بعد الكوارث.
ولا يؤمّن مشروع “نسج منزل” الفائز بجائزة في المسابقة التصميمية 2013 Lexus Design Awards مأوىً مرناً وقابلاً للنقل وحسب؛ وإنما أيضاً يضم تجميعاً للماء وتوليداً للطاقة الشمسية وتسخيناً الماء شمسياً، وذلك باستخدام قماشٍ مقاوم للماء مشدود بين أنابيب بلاستيكية منحنية وممانعة. مما يخلق خيمةً مستقرة إنشائياً يمكنها تحمل أحمال الضغط والشد. كما أن هذا القماش المزدوج الطبقات مجوف مما يسمح بتمديد أكبال تمديد الماء والكهرباء بين طبقاته.
كذلك يسمح التصميم المرن للخيمة بفتح فتحات حيث يتطلب الأمر ليسمح للهواء الساخن بالخروج ودخول النسيم البارد، كما يمكن للخيم أن تغلق تماماً في حال الطقس البارد والممطر.
وقد قامت صيقلي بمشاركة مشروعها مع البوابة العربية للأخبار المعمارية ضمن إطار المبادرة التي أطلقتها البوابة تحت عنوان “إعادة بناء المدن مدمرة” وعند سؤالها عن كيف ترى دور المعماري في إعادة بناء المدمرة؟ أخبرت عبير صيقلي البوابة أن “البشر يعرّفون أنفسهم من خلال بيئتهم المبنية كونها تلعب دوراً هاماً في تشكيل الهوية والذاكرة الإنسانية. فالمباني الموجودة ودمارها وغيابها إضافةً إلى إعادة بنائها أمورٌ تشكّل الهوية، وعندما تتدمر المباني تُمحى بدورها الذواكر الجمعية.
تتدمر بعض المدن عن طريق الكوارث الطبيعية في حين تتأثر أخرى بالحرب بهدف محو ذاكرتها وهويتها من أجل تأسيس إعادة نظام للنسيج العمراني الذي يدمر الماضي وأي أملٍ بالمستقبل. كمعمارية سوف أبدأ بطرح أسئلةٍ من قبيل: كيف تتشكل الهويات الجديدة من خلال البيئة المبنية؟ هل نتجاهل الماضي أم نبقي على جزءٍ من الدمار ليذكرنا بتاريخنا كدروسٍ يجب تعلمها؟ كيف نعيد إعادة سرد القصة بأشد الطرق صدقاً؟ كما أنني سأدخل أفراداً ومحترفين ينتمون لعدة مجالات علمية مختلفة للعمل ضمن عملية تصميمٍ فكري من أجل تحديد إعادة تشكيل المدينة والإتيان باستراتيجية فعالة لإعادة بنائها. سيتطلب هذا الأمر فهماً للأحداث الداخلية للمدن، وثقافتها إضافةً إلى العوامل الخارجية التي أثرت بها. أرى الأمر كفرصةٍ لتطوير الفكر المعاصر.”
“تستخدم الطبيعة أطول الخيوط لتنسج نماذجها، لذلك فإن كل قطعةٍ صغيرة من نسيجها تكشف عن تنظيم كامل ذلك النسيج.” ريتشارد فاينمان Richard P. Feynman.
طوّرت الحياة البشرية عبر التاريخ أمواجاً متناوبة من الهجرة والاستقرار. وهكذا قادت حركة البشر عبر الأرض إلى اكتشاف مناطق جديدة إلى جانب خلق مجتمعاتٍ جديدة بين الأغراب والتي شكلت في النهاية البلدات والمدن والأمم.
وبالبحث في هذه الازدواجية ما بين الاكتشاف والاستقرار، والحركة والثبات، يوجد جوهرٌ أساسي لما يعنيه الأمر أن يكون المرء إنساناً.
على مدى القرن الماضي ومن بعد الحروب العالمية والكوارث الطبيعية شهد العالم تهجير الملايين من الناس عبر القارات. وفيما يسعى اللاجئون إلى إيجاد مأوىً لحياتهم الجديدة في الأراضي المجهولة غالباً يبدأ أولئك بدون أيّ شيء سوى خيمةٍ تدعى منزلاً. يعيد هذا المشروع تفحّص المفهوم المعماري التقليدي للحركة والتنقل أثناء تأمين الراحة للحياة المعاصرة (كالتدفئة، والمياه الجارية، والكهرباء والتخزين إلخ…).
يعتبر المفهوم من وراء النسيج الإنشائي هو التقاليد التي لا يحدها زمن لنسج عناصر ضمن أشكالٍ خفيفة الوزن وسهلة الطي لتصبح سطوحاً مستوية لأجل نقلها. كما تحتوي الخيوط المتعددة للنسج عدة أغراضٍ مختلفة مثلاً شبكةً للنوافذ والتخزين، نسيجاً شمسياً قابلاً للتمطط من أجل الطاقة المستدامة، والتي بدورها تغذي أنابيب مرنة للمياه والتدفئة والكهرباء.
يعمل النسيج الإنشائي على عدة مقاييس ابتداءً من مقياس الفتحة وحتى مقياس مدينة خيمية، بمعنى لاندسكيب من القبب التي تخدم المجتمع وترتفع بالحاجات الأساسية المطلوبة للبقاء إلى مكانٍ يندمج فيه المجتمع ويتعافى من جراحه ويجدد فيه طموحاته. ينسج العمران البدوي مادياً ومجازياً مجتمعاً وخدماتٍ وتصميماً وظيفياً وجمالاً.
إذ يجد البدو في هذا الفراغ العابر مكاناً للتوقف عن عوالمهم المضطربة، إلى مكانٍ ينسجون فيه نسيج حياتهم الجديدة.
“يصبح مبنىً ما شفافاً كنتيجةٍ للاستخدام عندما يعبر الزائر العتبات ويوظف الواجهات دون الحاجة إلى عبور الحدود الفراغية لبشرة المبنى. بمعنىً آخر؛ تنبع الشفافية من الفعل التبادلي بين العام والخاص وبين النور والظلمة وبين الحركة والثبات وبين الحياة والعمل.”The Ambiguous Veil by Bechir Kanzari & Yasser Elsheshtawy
تعتبر الكوارث بطبيعتها مؤقتةً وغير متوقعة. فهي تضرب مواقع متعددة بطرقٍ مختلفة ولفتراتٍ متنوعة من الزمن. كما أن لواحق دمار الكوارث تتنوع أيضاً فبعضها يدوم لأسابيع كما في حال الفياضانات والأعاصير، وبعضها يدوم لسنوات كما في حال أمواج التسونامي والزلازل والمجاعات والحروب.
ومع ذلك فإن عدم توقعية الكوراث قد أصبحت في السنوات الأخيرة، نظراً لتاثيرات التغير المناخي وعدم الاستقرار العالمي، متوقعةً للغاية. وتعتمد ردة الفعل تجاه كتل البشر الذين تم إجبارهم على ترك منازلهم، وفي بعض الأحيان بلادهم، على نُظم تصميم قديمة جداً وغير فعالة إضافةً إلى كونها غير ملهمة. فغالباً ما تكون مآوي اللاجئين معقدةً لدرجةٍ لا تمكن من بنائها بالسرعة الكافية، كما تكون صارمةً وغير مرنة لدرجة أنها لا يمكن أن تستطيع احتواء أحجام العائلات المختلفة ومقاييس الوظائف المختلفة (مثل التوسع من منزل إلى عيادة طبية إلى مدرسة إلى مركز اجتماعي) كما أنها تفتقر إلى الضروريات الأساسية للحياة المعاصرة مثل التدفئة، والمياه الجارية، والصرف الصحي، والكهرباء والاتصال بشبكة الانترنت.
غالباً ما تكون مخيمات اللجوء رتيبةً وشاحبة تفتقر للضوء الطبيعي وتعكس الوضع المأساوي الذي يجد قاطنوها أنفسهم فيه دون ذنبٍ منهم.
إلى جانب الفشل المادي الذي تعاني منه مخيمات اللجوء الحالية يوجد الفشل على المستوى الاجتماعي أيضاً؛ لأن الكوراث حين تهدم المجتمعات يتوجب حينها على الملاجئ أن تبدأ بإعادة بناء التفاعل الاجتماعي. ولأن الكوارث تدمر البيئات الموجودة فلابد للملاجئ أن تحوّل ما تبقّى إلى شيءٍ جديد ومع ذلك مألوف.
يقترح المشروع نوعاً جديداً من ملاجئ الكوارث لللاجئين بالاعتماد على نظامٍ مستلهم من الماضي الجمعي كالبدوي فالقبائل البدوية سافرت عبر الأراضي حيث أقامت مآوي مؤقتة كانت تعتبر هي منزلهم الوحيد. كما أن النسيج الإنشائي مستلهم من التقاليد القديمة لنسج وتضفير الأغشية الخطية ضمن منشآت مقعدة وثلاثية البعد. وقد شكلت آخر التطورات التقنية أساساً لابتكار النسيج والمواد وطريقة تجميع المشروع من أجل تصنيع نوع ٍ جديد من النسيج التقني يكون سهل الإنشاء والانتصاب ومن ثم التفكيك وإعادة الاستخدام وتغيير المقياس بحسب وظائف متنوعة ابتداءً من السلة وانتهاءً ببناء بشرة خيمة مبنية.
وكما يكون كل نسيج مكوناً من خيوط منفردة فإن الأساس المفاهيمي لهذا المشروع يدور حول اعتبار الإنشاء كشيءٍ ليس أكثر من خيوط منفردة من قماشة. إذ كان الهدف خلق نظام متجانس يجمع الإنشاء والنسيج بطريقة تسمح للتكوين بالعمل بتناغم ويمكن وصف نتائج هذه الدراسة بالتالي:
يتألف النظام من عناصر أنبوبية من البلاستيك مشدود فيما بينها نسيج القماش ضمن نموذج محدد لتشكل “وحدة” مفردة. تكون هذه الوحدة مرنة بحيث يمكن طيها من عند المحور المركزي وتعتمد درجة طي الوحدة على العناصر البلاستيكية وعلى مرونة النسيج (يجب أن يكون نوع القماش يتصف بالمرونة وطول تحمل مدة الاستخدام ويخدم وظائف متعددة. خليط سباندكس للإنشاء العام وأقمشة ممتصة لأشعة الشمس تخدم وطيزف هذا المشروع. عندما تتعدد فإن هندسة ومادية الوحدة تعمل لتلق نظاماً يعمل بشكل مشابه للقماش. يمكن أن ينثني على كل من المحورين وبالتالي يتخذ أشكالاً متنوعة ومع ذلك يبقى مميزاً وبحضور ممميز ونزاهة إنشائية.
يتميز هذا النظام بالإماكنيات المتعددة القابلة للسكن لأن عناصره الإنشائية مجوفة وبالتالي يمكن للضروريات كالماء والكهرباء أن تمر عبر الإنشاء كما يمكنها أن تمر عبر التمديدات في أي جدار. كذلك يمكن التحكم بالفتح والإغلاق من خل التلاعب بالوحدات المفردة كما يمكن أن يتم استكشاف المقياس والتقسيم.
يفترض بالتصميم أن يعطي حلاً لفجوةٍ موجودة اليوم في حاجات الناس؛ إذ يوجد هناك مئات آلاف المهجرين عبر العالم يعيشون في بؤسٍ يمكن للقماش الإنشائي المتحرك والخفيف الوزن أن يغلق لهم هذه الفجوة بين حاجاتهم ورغباتهم، وأن ينسج مجازياً حياتهم مع بعضها من جديد، وأن يقوم مادياً بنسج بيئتهم بمكانٍ جديد ومألوف بآنٍ معاً، مكانٍ متجذر وخاص ومتصل ينسجون فيه مآوهم بمنزلهم.
عبير صيقلي:
معمارية، فنانة ومصممة ومنتجة ثقافية. حصلت على شهادتها في العمارة والفنون الجميلة من كلية التصميم في رودأيلند عام 2002. وخلال فترة عشرة سنوات أسست عبير مؤسسة للمهارات المتعددة الاختصاص تشمل العمارة والتصميم والفن والموضة وتصميم النسيج وإدارة المعارض. انضمت إلى فيلا موضا وهو متجر عدد العلامات التجاري يعنى بنمط الحياة ومفهوم تجزئة رفاهي في الكويت والخليج كمعمارية ومديرة مشاريع عام 2005 كما أدارت أو معرض فن معاصر في الأردن عام 2010. إلى جانب ممارستها المستقلة تعمل المعمارية أيضاً كمديرة إنتاج لدى الفنان العراقي الفلندي المعروف عالمياً عادل عبدين.تم اختيار أحد تصاميمها “الثريا” كفائز في مسابقة التصميم “وول هانغينغ” لشركة “ذا رغ” كمافاز مشروعها “نسج منزل” في مسابقة التصميم ليكوس.
يرتكز عمل عبير صيقلي على عملية الذاكرة، الصحافة، التوثيق، الأرشفة، والجمع من أجل خلق مشاريع وأعمال وفراغات وتجارب تتواجد ضمن مجال سرديتها.
عن البوابة العربية للاخبار المعمارية