بعد قرار الحكومة الإسرائيلية المصغرة، فجر اليوم الثلاثاء، إزالة بوابات التفتيش الإلكترونية، التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية على مداخل بوابات المسجد الأقصى
بمدينة القدس، تتكشف المزيد من التفاصيل عن ملابسات شابت اتخاذ القرار بشأنها.
ويتحدث مراقبون إسرائيليون صراحة، عن وجود دوافع سياسية وأخطاء في عملية اتخاذ القرار بشأن البوابات من قبل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.
أما الفلسطينيون فيرون أن نتنياهو يسعى إلى التملص من تهم الفساد التي تلاحقه، عبر افتعال مثل هذه الأزمات.
وكان مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) قد قرر فجر الثلاثاء، إزالة البوابات الإلكترونية من أمام بوابات المسجد الأقصى، بمدينة القدس، واستبدالها بكاميرات ذكية.
وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية في وقت سابق من مساء الاثنين، أن قرار إزالة البوابات جاء ضمن “تفاهمات” مع الأردن، مقابل إفراجها عن حارس الأمن الإسرائيلي الذي قتل الأحد مواطنين أردنييْن في محيط السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان.
وتحت عنوان “المخاوف من المنافسين السياسيين دفعت نتنياهو لارتكاب خطأ جسيم”، كتب باراك رافيد، المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أمس الإثنين، قائلا إن القرار بوضع البوابات “اتخذ خلال مكالمة هاتفية استغرقت 30 دقيقة”.
ولفت رافيد إلى أن وزير الدفاع افيغدور ليبرمان، ووزير الأمن الداخلي جلعاد أردان ومسؤولين كبار من الجيش وجهاز الأمن العام “الشاباك” والشرطة، شاركوا في المكالمة، التي جرت أثناء توجه نتنياهو إلى المطار في جولة أوروبية يوم الجمعة من الأسبوع الماضي (14 يوليو/تموز).
وأشار الكاتب الإسرائيلي، إلى عدم إجراء نقاشات جادة حول البوابات في المكالمة.
وقال رافيد:” خطأ نتنياهو لم يكن فقط في وضع البوابات، ولكن اساسا في عملية اتخاذ القرار الذي سبقته”.
وفي ذات السياق، أكدت المحطة الثانية في التلفاز الإسرائيلي، أمس الإثنين، عدم إجراء نقاش حكومي بشأن البوابات قبل وضعها.
واستنادا إلى المحطة ذاتها، فإن خلافا برز لاحقا ما بين الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الإسرائيلي “الشاباك” من جهة، حيث أيدت المؤسستان إزالة البوابات، وبين الشرطة الإسرائيلية التي تمسكت ببقائها.
وقد برزت الخلافات، بعد أن بدأ آلاف الفلسطينيين بالتوافد إلى محيط المسجد الأقصى، لأداء الصلاة في الشوارع في محيط المسجد المقدس.
ويعتقد مهدي عبد الهادي، مدير الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (خاصة) في القدس، أن ردة الفعل الفلسطينية، كانت مفاجئة للإسرائيليين.
ويقول عبد الهادي:” لم تكن الردود الفلسطينية بحسبان الإسرائيليين وكانت مفاجأة بالنسبة لهم”.
وبدأ الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن وجود خلافات في أوساط الحكومة الإسرائيلية، حول البوابات، خلال مشاورات هاتفية أجراها نتنياهو مع قادة الأمن الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي من العاصمة المجرية، بودابست، ومن ثم ازداد التركيز عليه بعد اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر
للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” مساء الخميس، الذي استمر حتى ساعات فجر الجمعة.
وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية، ثمّة من يوجّه اللوم إلى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد ارادان، بالمسؤولية عن قرار البوابات.
فقد كتب أليكس فيشمان في صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية، أمس الإثنين، يقول:” في صبيحة يوم الجمعة ، أصدر الكابينت بيانا جبانا، ترك فيه مسألة البوابات الإلكترونية في أيدي الشرطة ووزير الأمن الداخلي، الذي بدوره ارتكب الخطأ بالمقام الأول”.
وكتب فيشمان:” أحمق واحد ألقى بحجر في البئر، وألف حكيم يحاولون الآن تصحيح الضرر”.
واتفق العضو العربي في الكنيست جمال زحالقة، بمسؤولية أردان عن التوتر بإصراره على إبقاء البوابات الإلكترونية.
وقال زحالقة للصحفيين في باب الأسباط في القدس:” أردان يتحمل شخصيا مسؤولية سفك الدماء، لأنه المسؤول عن الشرطة التي تقتل، ولأنه يصر على ابقاء البوابات الالكترونية، التي تثير غضب الناس وتؤدي الى مواجهات تطلق فيه قواته النار على المتظاهرين العزل”.
وبعد إشارته إلى أن الشرطة الإسرائيلية اعتقدت بأن البوابات سترفع أسهمها في الشارع الإسرائيلي، فإن الكاتب السياسي البارز في صحيفة “يديعوت احرونوت” ناحوم بارنيع رأى أن ما حدث “هو العكس تماما”.
وكتب بارنيع، أمس الإثنين يقول:” المشكلة تبدأ، كما يبدو، بقائد الشرطة يورام هليفي، قائد لواء القدس، لقد تصرف هذا الأسبوع وكأنه لا يعرف أو لا يفهم مدى حساسية مسألة الحرم (المسجد الأقصى) وكم هي مشحونة”.
وأضاف:” لقد ناقش الموضوع مع القائد العام للشرطة روني ألشيخ، ووزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، لكنه لم يتم إشراك الشاباك والجيش في القرار الاولي”.
وتابع بارنيع:” خلال النقاش الذي جرى بعد تركيب البوابات، حذّر الشاباك والجيش من أن هذا القرار قد يسبب موجة عنف صعبة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، ويقوّض الأنظمة العربية المعتدلة”.
ومع صدور قرار الكابينت الإسرائيلي فجر الجمعة الماضي، بإبقاء البوابات تسابقت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى تغطية صلاة الجمعة في شوارع القدس.
وأبرزت عدسات محطات التلفزة الإسرائيلية، آلاف المصلين في شارع صلاح الدين، وفي باب الأسباط وغيرها من المواقع في مدينة القدس الشرقية.
وازداد الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن المخاوف من “تصاعد الأمور أمنيا”.
ففي لقاء مع عدد من المجندين الجدد، حذر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي ايزنكوت من أن الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة “حساسة وقابلة للانفجار”.
وفي ظل ذلك، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، النزول عن الشجرة.
وللمرة الأولى بدأ وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد اردان يتحدث عن بدائل.
وقال للإذاعة الإسرائيلية العامة:” ما لم يكن هناك بديل ناجع قادر على توفير الأمن في منطقة الحرم، وتثق به الشرطة فإنني أدعم إبقاء بوابات الفحص”.
ولم يبرز حتى الآن أي اقتراح من شأنه إنهاء أزمة قرار تثبيت البوابات الإسرائيلية، وسط استمرار وتصاعد الاحتجاجات الفلسطينية على البوابات.
ويرى الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا، أن المشكلة تكمن في احتواء الحكومة الإسرائيلية في عضويتها على “وزراء متشددين ووزراء أكثر تشددا”.
وأضاف الشيخ صبري:” نتنياهو أراد من خلال البوابات الإلكترونية توجيه الإنظار عن اتهامات الفساد التي توجّه ضده، وأراد من خلال قراره وضع البوابات كسب اليمين الإسرائيلي على جانبه في مواجهة هذه الاتهامات”.
وحققت الشرطة الإسرائيلية أكثر من مرة مع نتنياهو في شبهات ارتكابه مخالفات جنائية، وينتظر الرأي العام الإسرائيلي، قرار المستشار القضائي للحكومة، بشأن إمكانية توجيه لائحة اتهام ضده، أو إغلاق الملف.
وتابع الشيخ صبري:” من ناحيتنا فإن لا تراجع، ويجب إزالة هذه البوابات الإلكترونية”.
وكان اليمين الإسرائيلي المتشدد، قد لعب دورا في التمسك بالبوابات ورفض إزالتها.
واعتبر وزير التعليم وزعيم حزب “البيت اليهودي” اليميني نفتالي بنيت، أن “الاستسلام للضغوط الفلسطينية سيمس بقوة الردع الإسرائيلية ويعرض للخطر الزوار، ورجال الشرطة في جبل الهيكل (المسجد الأقصى)”.
وأضاف في تصريح صحفي حصلت الأناضول على نسخة منه:” يجب عدم التراجع”.
أما وزيرة الرياضة من حزب “الليكود” ميري ريغيف، فقالت:” الشائعات بشأن تغيير موقف رئيس الوزراء بإزالة البوابات الإلكترونية على مدخل جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، هي شائعات كاذبة ودعائية”.
وكالات