أسفر جيش الاحتلال عن أبشع أدواته ووسائله الأقبح في الاغتيال باستخدام العبوات الناسفة أو الصواريخ المضادة للدروع والطائرات المسيرة.
تواجه نابلس أحد أعنف وأشنع الاحتلالات على مدار التاريخ بأنساق مقاومة من خلال نشطاء مجموعات «عرين الأسود» بصفةا أكثر حضوراً وفاعلية.
سعار الاحتلال الإسرائيلي ضد نابلس يتجاوز مشكلاته مع مدينة فلسطينية واحدة لأنه أعمق ارتباطاً بمأزق كيان عنصري استيطاني عسكري هو أسوأ نظام أبارتهايد.
* * *
شيعت مدينة نابلس الفلسطينية 6 من أبنائها سقطوا شهداء نتيجة أحدث عمليات الآلة العسكرية الفاشية التي يسخرها الاحتلال الإسرائيلي لقهر روح المقاومة لدى أبناء مدينة عريقة صامدة استحقت على الدوام لقب جبل النار، حيث أسفر الجيش الإسرائيلي عن أبشع أدواته ولجأ إلى وسائله الأقبح في الاغتيال عن بعد باستخدام العبوات الناسفة أو الصواريخ المضادة للدروع والطائرات المسيرة.
وفي تكرار أشد وحشية للإغلاق الذي فرضه الاحتلال على قرابة نصف مليون من أبناء المدينة خلال انتفاضة الأقصى سنة 2000، يواصل الاحتلال حصار المدينة منذ 15 يوماً ويقطع عنها شرايين الحياة وهي المركز الصناعي والتجاري الأهم في الضفة الغربية، ويسيّجها بالحواجز والعوائق الترابية، ويواصل اقتحاماته المتكررة لأحيائها القديمة وساحاتها، ويدمر فيها المساكن على النحو العشوائي الأشد همجية.
وإذا صح الافتراض بأن أنساق المقاومة التي أخذت المدينة تواجه بها أحد الاحتلالات الأعنف والأشنع على مدار التاريخ، وذلك من خلال نشطاء مجموعات «عرين الأسود» بصفة أكثر حضوراً وفاعلية، فإن سعار الاحتلال الإسرائيلي ضد نابلس يتجاوز بكثير مشكلاته مع مدينة فلسطينية واحدة لأنه أعمق ارتباطاً مع معضلات كبرى هي جوهر المأزق الشامل الذي واجهه وسيظل يواجهه كيان عنصري استيطاني عسكري، لم يكن ينقصه سوى انزلاق حثيث نحو أسوأ منظومات الأبارتهايد.
الصحافة الإسرائيلية ذاتها سردت أصناف النيران التي استخدمها الاحتلال في عملية الاقتحام الأخيرة لمدينة نابلس، وأنها «غير مسبوقة» في النوع والكم واستدعت اضطرار الاحتلال إلى نشر الجيش والاستخبارات والشرطة وعناصر وحدة «اليمام» المتخصصة بالاغتيالات، وذلك ضدّ مجموعة مقاومة شابة حديثة العهد من حيث التأسيس غير مرتبطة على نحو عضوي بأي من الفصائل والتنظيمات الفلسطينية المعروفة على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية.
ذلك يفسر بعض عجز الاحتلال عن مواجهة المجموعة بالوسائل التقليدية الأشرس التي اعتاد على تسخيرها، كما يفسر الهستيريا التي تتبدى عليها طرائق الاحتلال في محاولات وأد اتساع عمليات المجموعة وسرعة انتشارها خارج مدينة نابلس ونحو أكثر من عمق فلسطيني واحد.
وكان جنرالات الجيش الإسرائيلي وضباط استخباراته قد رصدوا ما تطلقه مآذن المدينة من تكبيرات، وما تهتف به حناجر أبنائها من شعارات، وما يتردد من أصداء ذلك وسواه في مخيم جنين أو حاجز قلنديا في ظاهر القدس المحتلة أو النبي صالح على تخوم رام الله.
ولن يكون في وسع أولئك الجنرالات إلا إدراك الدلالات العميقة لهذا المشهد، وكيف تتعاقب تجسيداته الميدانية فتعيد تثبيت المعادلات على الأرض وفي الوعي الوطني الفلسطيني.
وإذا كان أمثال يائير لبيد وبيني غانتس وبنيامين نتنياهو يراقبون فظائع الاحتلال في نابلس بمنظار انتخابات الكنيست المقبلة، فالأرجح أن جنرال جيش الاحتلال أو استخباراته يقلّب الرأي في مغزى أن الشهيد وديع الحوح أحد أبرز قادة «عرين الأسود» لا يتجاوز 31 سنة من العمر، وأن الاحتلال سجنه مرتين في 2011 و2018، وأنه اشترى بندقيته بنفسه.
وهذه وسواها هي التي أسست وتواصل تأسيس جوهر التناقض المستعصي بين عرين مقاومة فلسطينية وسعار احتلال إسرائيلي.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: