ميثاق أممي للهجرة.. لكن الدول تزداد انغلاقاً
- الوقت صعب للمهاجرين مع وجود توجهات يمينية متطرفة وعنصرية وكراهية للأجانب.
- هل يرسخ الميثاق الجديد نظاما قويا متعدد الأطراف لحقوق الإنسان ويتبنى تنمية مستدامة ويعتمد دبلوماسية وقائية ويحافظ على السلام؟!
- الواقع يزداد قبحاً من مجاعات فاتكة أو كامنة وترك المهاجرين يغرقون إلى بناء الجدران الحدودية واحتجاز أطفال مكسيكيين.
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
كان لا بدّ من جهد كبير ومضنٍ، في المؤتمر الحكومي الدولي الذي شهدته مراكش، وتوصل إلى «ميثاق الأمم المتحدة للهجرة»، للحفاظ أولاً على البعد الإنساني للقضية، ولإبقاء حقوق الإنسان مرجعية ملزمة – معنوياً على الأقل- لصون حقوق المهاجرين.
إذ كان ممثلو الدول -«المستضيفة» طوعاً أو قسراً- مستنفرين لتغليب الطابع التقني والاعتبارات السيادية، للتعبير عن رغبة سياسية واجتماعية عارمة في تقليص ظاهرة الهجرة، شاءت المنظمة الدولية إعادة بناء بعض الأعراف، والحضّ على التعاون بين الحكومات في شأن الهجرة.
لعل الفوضى والانتهاكات التي رافقتها في الأعوام الأخيرة هي ما دفعها إلى ذلك، غير أن الخلافات التي سبقت المؤتمر استمرّت بعده، فكما حاجج بعضٌ في ضرورة الفصل بين الهجرتين المشروعة وغير المشروعة، خاض بعضٌ آخر في مسؤولية دول المصدر أو دول الممر والعبور، وتساءل بعضٌ ثالث عن خصوصية اللجوء واللاجئين.
لا أحد يغامر بالقول، إن هذا «الميثاق» سيحلّ مشاكل الهجرة، أو اللجوء، وثمة ميل لعدم التمييز بينهما، بل للتحايل في هذا التمييز لدى الأخذ بتصنيفات الأمم المتحدة بغية التخفّف من الواجبات!
لكن الواضح الآن أن المقاربة الإنسانية تراجعت كثيراً، وأن المفهوم الذي لا ينفكّ يسود هو أن المهاجر مجرد عبء غير مرغوب به، لطالما تباهت الدول الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة- بأريحية تشريعاتها ورفاهيتها المتاحة.
لكنها أصبحت غير مرحّبة ولا ترغب في فتح أبوابها إلا لهجرة انتقائية يتمتّع أفرادها بمهارات موثّقة، قد يوحي الجدل القائم بأن الهجرة ظاهرة طارئة وغير مشهودة، لكن الانتقال والتنقّل كانا سمة دائمة للعالم منذ بدء انتظام الدول وتركيز الثروات وشيوع السيطرة عليها أو نهبها.
وفي الوقت نفسه توحي إجراءات أميركية أو إيطالية أو هنغارية أو نمساوية أو غيرها بأن المهاجرين -اللاجئين- أصبحوا علة العلل في تلك البلدان، وأن ضرورات قاهرة تضطرها لأن تصبح منغلقة وطاردة.
تُظهر موافقة نحو مائة وخمسين دولة على «الميثاق» الجديد، وانسحاب أكثر من أربعين دولة منه حتى قبل إقراره رسمياً، أن تغييراً هائلاً ينتاب المزاج العالمي، ولعلها ترسم أيضاً خريطة الدول، غير قادرة وبالتالي غير جاذبة للمهاجرين، وأخرى قادرة لكن غير راغبة في استقبالهم.
اضطر قارب «أطباء بلا حدود» خلال الصيف الماضي أن يجوب الشواطئ أياماً عدة، و«لم ترغب أية دولة في فتح ميناء أمامه»، وقالت مسؤولة في هذه المنظمة: «كنّا ننتظر ونستجدي ميناء آمناً لإنزال المهاجرين، لكن يبدو أن الحكومات الأوروبية تواطأت على عدم السماح بأية عملية إنقاذ في المتوسط».
اختصرت الرئيسة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة المعضلة، بأن الوقت صعب للمهاجرين مع وجود «توجهات يمينية متطرفة وعنصرية وكراهية للأجانب»، لكنها رأت في الميثاق الجديد رداً على ذلك، «من خلال نظام قوي متعدد الأطراف يرسّخ حقوق الإنسان، ويتبنى التنمية المستدامة لجدول أعمال 2030، ويعتمد الدبلوماسية الوقائية ويحافظ على السلام».
كلمات جميلة لا تعكس واقعاً يزداد قبحاً، مع لائحة طويلة من المآسي، من المجاعات الفاتكة أو الكامنة إلى ترك المهاجرين يغرقون في البحر، إلى بناء الجدران الحدودية واحتجاز الأطفال المكسيكيين.
كان العاهل المغربي محقاً في دعوته إلى تغليب منطق الوحدة بين الدول على منطق الشعبوية في معالجة مسألة الهجرة، أما المستشارة الألمانية، فذكّرت بضرورة إيجاد حلول للهجرة في بلدان المنشأ ذاتها، فكرة قديمة فشل العالم في تنفيذها، لكنها تبقى صالحة.
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني
المصدر: العرب – الدوحة