من يشعل المضيق؟
- لا يمكن بأي حال الجزم بحقيقة ما حدث في الخليج والأهم سيكون كيفية تعامل الأطراف المعنية.
- هل يكون النظام في طهران لجأ لإطلاق يد المؤسسة العسكرية للقيام بهذه العمليات بهدف الضغط على واشنطن؟
- التصعيد الحالي بين واشنطن وطهران لا يتسم بالعقلانية لكن هناك اتجاهاً مصلحيا واضحا سيحكم النتيجة النهائية للمواجهة.
- الهجمات الحوثية داخل السعودية لن تدفع واشنطن للتحرك فكان لابد من أن تشفع بهجمات في الخليج تتحدى الالتزام الأمريكي بأمن الطاقة.
- الهجمات تعود بالذاكرة إلى حرب ناقلات النفط خلال الحرب العراقية الإيرانية التي أدت في النهاية إلى المواجهة العسكرية المباشرة الوحيدة بين طهران وواشنطن.
* * *
بقلم | ماجد الأنصاري
هجوم ثانٍ في المنطقة يستهدف ناقلات النفط في طريقها للخروج من الخليج، تعود هذه الهجمات بالذاكرة إلى حرب الناقلات في ثمانينيات القرن الماضي خلال الحرب العراقية – الإيرانية، التي أدت في النهاية إلى المواجهة العسكرية المباشرة الوحيدة بين طهران وواشنطن بعد تعرض سفن تجارية في الخليج لهجمات وألغام إيرانية.
تضمنت تلك المواجهة إسقاط طائرة مدنية إيرانية وانتهت معها المواجهة العسكرية الأمريكية الإيرانية، والآن يعود استهداف السفن التجارية بذات الطريقة! فهل يعيد التاريخ نفسه؟ أم أن هناك أيادي خفية تريد وضع واشنطن وطهران في وضع مماثل لذلك الذي أدى إلى تلك المواجهة اليتيمة بينهما؟
في العلاقات الدولية أبسط النماذج التحليلية هو القائم على افتراض أن الأطراف السياسية تتحرك بناءً على المصلحة، وبالتالي إذا تعرفت على مصالح هذه الأطراف والمخاطر التي يواجهونها بإمكانك تحليل دور كل طرف بشكل سليم.
طبعاً هذا الافتراض مبني على أن القرار «عقلاني» لدى متخذه، أي أنه مبني على حسابات مصلحية بحتة، التصعيد الحالي بين واشنطن وطهران لا يتسم بالضرورة بالعقلانية.
لكن بغض النظر عن الحالة الذهنية لصناع القرار في العاصمتين، هناك اتجاه مصلحي واضح سيحكم النتيجة النهائية لهذه المواجهة، وبالتالي بإمكاننا محاولة فهم ما يجري استناداً إلى تحليل مصالح طهران وواشنطن ومحور السعودية والإمارات، الأطراف الفعلية للتصعيد الحاصل، وعليه لدينا ثلاثة سيناريوهات لتفسير ما حدث.
السيناريو الأول
هو أن تكون طهران فعلاً مسؤولة عن هذه الهجمات، وفي هذه الحالة سيكون فهم ذلك ليس من خلال رغبة صناع القرار الإيرانيين في الدخول في حرب بل ثقتهم في عدم رغبة واشنطن في ذلك، وبالتالي يكون الهدف من هذه العمليات رفع التكلفة على واشنطن في فرض العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي.
فالعقوبات وخاصة منع إيران من بيع النفط تضرب النظام في مقتل، وبالتالي قد يكون النظام في طهران لجأ لإطلاق يد المؤسسة العسكرية للقيام بهذه العمليات بهدف الضغط على واشنطن لسرعة الوصول لحل مع طهران يتضمن العودة للاستثناءات التي كانت تشكل مصدراً مهماً للدخل بالنسبة للنظام.
المشكلة في هذا السيناريو هي أن تكلفة استهداف ناقلات نفط في منطقة الخليج عالية جداً على طهران حيث ستخسر العديد من الحلفاء والمترددين في إطار تنفيذ هذه الهجمات كما أنها ستشرعن أي استهداف لها، لذلك سيكون مفهوماً التصعيد الإيراني عبر دعم هجمات الحوثي على السعودية ولكن ليس من خلال استهداف الناقلات.
السيناريو الثاني
هو أن تكون هذه الهجمات تمت بالتنسيق بين حلفاء واشنطن وبعلم الأخيرة، أي أن دولاً كالإمارات والكيان الصهيوني قامت بالتنسيق مع واشنطن بحيث يتم تنفيذ هجمات مدروسة لا ضرر حقيقي ينتج عنها.
وذلك بهدف وضع طهران في قفص الاتهام وتسهيل الضغط عليها من قبل واشنطن للقبول باتفاق جديد يحد من قدرتها على الحركة إستراتيجياً، وبالتالي خنق النظام تدريجياً.
لن تكون تلك المرة الأولى التي تلجأ فيها واشنطن لاختلاق أدلة كهذه، فقد لجأت واشنطن إبان الغزو الأمريكي للعراق لذلك حين قام كولن باول وزير الخارجية الأمريكي آن ذاك بعرض أدلة مفبركة حول امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل قبل الغزو.
كذلك عدم تعرض السفن في الهجمات الأولى أو الثانية لأضرار حقيقية، فلا خسائر في الأرواح ولا كوارث بيئية، واستهداف ناقلة تابعة لشركة يابانية في إطار الوساطة التي يقودها رئيس الوزراء الياباني، والاستعجال الأمريكي في الحسم حول اتهام إيران والأدلة المتناقضة مع تقرير الشركة اليابانية كل ذلك يجعل من المنطقي افتراض أن صاحب المصلحة في ذلك كله هو الولايات المتحدة أولا.
كما أنه لا توجد تكلفة حقيقية على واشنطن من هذا السيناريو، حيث إن التجربة أثبتت أن اختلاق أدلة أمريكية يمر مرور الكرام في السياق الدولي.
السيناريو الثالث
هو أن تكون الهجمات مفتعلة من قبل دول ترغب في وجود تصعيد عسكري مع طهران بعد وصول هذه الدول إلى قناعة بأن الرئيس الأمريكي بدأ يبتعد عن هذا الخيار.
وعليه فالفرضية هنا هي أن هذه الدول التي استثمرت كثيراً في التصعيد وهي الإمارات والسعودية والكيان الصهويني مجتمعة ومتفرقة باتت بحاجة لأن تضع الرئيس الأمريكي في موقف يضطره إلى اتخاذ إجراءات عسكرية مشابهة لتلك التي اتخذتها واشنطن إبان حرب الناقلات في الثمانينيات.
وحيث إن الهجمات الحوثية داخل السعودية لن تدفع واشنطن للتحرك كان لابد من أن تشفع بهجمات في الخليج تتحدى الالتزام الأمريكي بأمن الطاقة، ويبقى التحدي أمام هذا السيناريو هو المخاطرة الكبيرة التي تتخذها الإمارات والسعودية حال كانتا من يقف خلف هذه الهجمات.
إذ أن أي تحرك عسكري ضد إيران سيؤدي لاستهداف مباشر لمصالح هاتين الدولتين خاصة لو كشف عن دور لهما في هذه الهجمات.
لا يمكن بأي حال الجزم بحقيقة ما حدث في الخليج ولكن الحقيقة لن تكون مهمة في سياق الأحداث، الأهم سيكون كيفية تعامل الأطراف المعنية معها، حتى الآن يبدو الطرف الأمريكي مهتماً فقط برفع السقف التفاوضي.
فيما تبدو طهران معنية بتأخير التفاوض حتى تغير الظرف لصالحها في واشنطن بحيث يكون الرئيس الأمريكي أكثر استعداداً لتقديم تنازلات في بيع النفط تحديداً، أما الأطراف الإقليمية فيصعب التنبؤ بمواقفهم لسرعة التبدل فيها تماشياً مع الموقف الأمريكي.
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر
المصدر | الشرق – الدوحة
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة