من «سياسة دفاعية مشتركة» … إلى «الجيش الأوروبي»؟!
- الحاجة ضاغطة لكن عدم القدرة على ترجمتها لخطوات وتشكيلات مقاتلة مشتركة سياسي بامتياز!
- ماذا يحول دون تحول الاقتدار المالي والتقني الأوروبي لاقتدار دفاعي استراتيجي مشترك؟
بقلم: عريب الرنتاوي
قبل ما يقرب من عقدين من الزمان، دعيت ونفر من الأردنيين، إلى باريس، للمشاركة في مؤتمر دولي نظمته كلية الدفاع الوطني الفرنسية، والموضوع الوحيد الذي كان مدرجاً على جدول أعماله: نحو سياسة دفاعية وأمنية أوروبية جديدة …
يومها جرى الحديث عن الحاجة لتشكيل «قوة دفاعية أوروبية»، قوامها ستين ألف ضابط وجندي، للذود عن حدود أوروبا ضد أية تهديدات محتملة، وللمساهمة في حفظ المصالح الأوروبية عبر البحار.
لم تكن التهديدات قد أحاقت بالقارة العجوز كما هي عليه اليوم. روسيا كانت سادرة في ضعفها وتفككها. الصين بالكاد كان ينظر اليه كقوة دولية منافسة. لم يكن الشرق الأوسط قد احترق بأزماته، أو شرع في تصدير موجات متلاحقة من اللاجئين، أو تحول كمنتج ومصدر لأبشع وأعنف موجة إرهابية.
ومع ذلك، كان هناك استشعار بالحاجة لحضور أوروبي مستقبل، في الميدانين الأمني والدفاعي.
لم ير المشروع الأمني – الدفاعي الأوروبي النور، رغم الكثير من الجهود التحضيرية التي بذلت لإخراجه من حيّز الفكرة إلى فضاء المعسكرات والأساطيل والقواعد.
اليوم، تعاود فرنسا طرح هذه المسألة من جديد، من خلال الدعوة التي أطلقها رئيسها لتشكيل «جيش أوروبي» لمواجهة التهديدات الروسية والصينية وحتى الأمريكية، وهي الدعوة التي حظيت بتأييد فوري من المستشارة الألمانية، وردّ عليها بقوة تشوبها السخرية، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
التهديدات تحيط بأوروبا اليوم أكثر مما كانت عليه قبل قرابة عقدين من الزمان. روسيا يلتسين، رجل أوراسيا الضعيف، أصبحت لاعباً دولياً ناهضاً. والصين عاودت شق طريق الحرير بكثافة ونشاط.
والقارة تتعرض لغزوات متعاقبة من اللاجئين الآسيويين والأفارقة وشرق الأوسطيين. والإرهاب ضرب في طول أوروبا وعرضها. وبريطانيا على وشك مغادرة الاتحاد.
والأهم أن ثمة رئيس في واشنطن، لا يتقن شيئاً غير فنون الابتزاز وإثارة النزاعات والانقسامات وتأجيج الأزمات وتسميم العلاقات الدولية.
الحاجة ماسة لسياسة دفاعية أوروبية مشتركة، فالدول الوارثة للنظام الاستعماري القديم، انكشفت في كثير من المحطات والاستحقاقات.
فحتى عندما قررت مواجهة نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وجدت نفسها مكشوفة الظهر، تستنجد بقوة النيران الأمريكية الكثيفة، والتي من دونها، ربما كان العقيد على رأس عمله المعتاد في طرابلس الغرب اليوم.
لكن شتان بين الحاجة والقدرة.
الحاجة ضاغطة بيد أن القدرة على ترجمتها إلى خطوات وإجراءات، وتشكيلات مقاتلة مشتركة، تبدو ضعيفة للغاية. والسبب الرئيس في ضعف القدرة أو غيابها، سياسي بامتياز.
إذ ثمة حاجة لتنسيق مواقف 27 دولة (بريطانيا باتت خارج المعادلة)، وإقناعها بفلسفة الدفاع المشترك وعقيدته القتالية والمشاركة في تشكيلاته ماديا وبشريا، وذلكم سبب يحول دون تحول الاقتدار المالي والتكنولوجي الأوروبي، إلى اقتدار دفاعي – استراتيجي مشترك.
ليس ثمة ما يشير إلى أن أوروبا ستصطف خلف دعوة ماكرون لبناء الجيش الأوروبي.
فثمة دول أوروبية تفضل تعزيز روابطها الدفاعية مع الولايات المتحدة على الذهاب إلى مغامرة الجيش الأوروبي.
وثمة دول أوروبية، ما زالت تثق بالسلاح الأمريكي الذي تشتريه بكثافة، ولا تثق بالقدر ذاته، بالسلاح الأوروبي.
وثمة دول تفضل الانتظار قبل الذهاب إلى خيارٍ كهذا، على اعتبار أن «الترامبية» مرحلة عابرة في العلاقات بين ضفتي الأطلسي، لتعود بعدها إلى سكتها المعتادة.
وحتى بفرض أن ضغط أزمات اللجوء والإرهاب ستضغط على بعض دول الاتحاد للتساوق مع الدعوة الفرنسية، يُرجح أن تسعى هذه الدول، في «تقزيم» فكرة «الجيش الأوروبي» إلى وحدات «حرس حدود».
لضبط عمليات اختراقها وتوزيع عبء حراستها من تدفق عشرات ألوف المهاجرين الجديد، أما الحديث المتجدد عن سياسة دفاعية وأمنية جديدة، و«جيش أوروبي»، فالأرجح أنها ستظل أضغاث أحلام تراود الإليزيه بين حين وآخر.
* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني