الجغرافيا لها منطقها الذي يدركه الغرب نفسه كما يدركه بوتين الذي لن يسمح بجعل أوكرانيا شوكة دامية في خاصرة روسيا.
ما يجري اليوم في ملف أوكرانيا حرب يخوضها الغرب ضد روسيا ورئيسها ويخطئ الغرب إن ظنّ أنه قادر على كسب الرهان هناك.
تقول سيرته إنه حاصل على دكتوراة الفلسفة في الاقتصاد فضلاً عن كونه خريج كلية القانون، قبل أن يعمل ضابطاً في الاستخبارات السوفياتية.
تحدث بوتين بمرارة عن كارثة تفكّك الاتحاد السوفياتي فيراها تفريطاً في ما حققته الأمة الروسية خلال ألف سنة وتفككًا لروسيا التاريخية.
اعتبر قادة أوروبيون تفكك روسيا، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي أمراً لا محالة منه لكن ذلك بات غير ممكن بفضل سياسة بوتين الصارمة منذ توليه السلطة ولا يزال.
* * *
بقلم: حسن مدن
إن بدا لكم أن العبارة الواردة في العنوان تحمل شحنة من السخرية، فإنه وجب تبديدها بسرعة، لأننا نعلم الفارق الكبير بين أن يكون المرء قائداً لسيارة أجرة، وأن يكون قائداً لدولة بأهمية روسيا، في الماضي أم في الحاضر.
لكن العنوان مستوحى من قول أدلى به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مؤخراً، من أنه اضطر للعمل سائق سيارة أجرة خاصة، بعد أن ضاقت الدنيا عليه بسبب ما آل إليه الوضع المعيشي من انهيار بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
وذلك ما حمل الكثير من أصحاب الكفاءات للبحث عن مصادر رزق إضافية، وكان بوتين أحدهم، حيث تقول سيرته إنه حاصل على دكتوراة الفلسفة في الاقتصاد، فضلاً عن كونه خريج كلية الحقوق، قبل أن يعمل ضابطاً في الاستخبارات السوفياتية.
تحدث بوتين بمرارة عمّا يعدّه كارثة تفكّك الاتحاد السوفياتي، التي يراها تفريطاً في ما حققته الأمة الروسية خلال ألف سنة، فتفكك الاتحاد السوفياتي، برأيه، كان تفككاً لروسيا التاريخية.
وحين جادل النواب الشيوعيون في البرلمان الروسي «الدوما»، قبل سنوات، في برنامج الحكومة، مقارنين الوضع المعيشي الصعب للمواطنين بما كان العهد السوفييتي يؤمّنه من ضمانات اجتماعية، ردّ عليهم بوتين بغضب: حزبكم هو الذي كان في السلطة يوم انهارت الدولة السوفياتية، ولست أنا.
لكن بوتين الذي لم يكن في السلطة يومها سرعان ما شقّ طريقه إليها بسرعة صاروخية، وتشاء الأقدار أن بوريس يلتسين، الذي أتم ما بدأه غورباتشوف من إضعاف للدولة السوفياتية وتفكيكها، هو من دفع ببوتين إلى قمة الهرم في السلطة.
لكنه نهج نهجاً نقيضاً له، فسعى جاهداً لترميم ما تركه غورباتشوف ويلتسين من خراب، وعمل على استعادة مهابة الدولة الروسية، أو على الأقل بعض هذه المهابة.
كأن لسان حال الغرب الذي كان منتشياً بسقوط الاتحاد السوفياتي، يقول اليوم: «يا فرحة ما تمت». بوتين قال في الحوار نفسه، الذي أتى فيه على ذكر سياقته للتاكسي، إن رئيس إحدى الدول في شرقي أوروبا صرح له سابقاً، بأن القادة الأوروبيين اعتبروا تفكك روسيا، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أمراً لا محالة منه، لكن ما رآه الغرب أمراً لا محالة منه بات غير ممكن بفضل السياسة الصارمة التي سلكها بوتين منذ توليه السلطة، ولا يزال.
ما يجري اليوم في ملف أوكرانيا هو، في الجوهر، حرب يخوضها الغرب ضد روسيا ورئيسها، ومخطئ الغرب إن ظنّ أنه قادر على كسب الرهان هناك. للجغرافيا منطقها، الذي يدركه الغرب نفسه، كما يدركه بوتين الذي لن يسمح بجعل أوكرانيا شوكة دامية في خاصرة روسيا.
* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر| الخليج
موضوعات تهمك: