من الذي سيحسم انتخابات الكونغرس؟
سواء فاز الديمقراطيون أو الجمهوريون بالأغلبية فلن تنخفض وتيرة الاستقطاب السياسي الحاد بأميركا، إن لم تتفاقم أصلاً.
بقلم: منار الشوربجي
الانتخابات التشريعية الأميركية ستظل، في تقديري، غير محسومة حتى الساعات الأخيرة قبل الاقتراع العام. وهي الانتخابات التي ستكون نتائجها ذات أهمية قصوى بالنسبة لسياسة أميركا الداخلية والخارجية بل ولمستقبل النظام السياسي الأميركي نفسه خلال العقد المقبل على الأقل.
الانتخابات التي ستجرى في السادس من نوفمبر المقبل تدور فيها المنافسة على كل مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ. وعادة ما يطلق عليها «انتخابات منتصف المدة» لأنها تجرى بعد مرور عامين من الأعوام الأربعة لحكم الرئيس. ورغم أن العادة جرت على أن يخسر حزب الرئيس بعض المقاعد في تلك الانتخابات إلا أن لتلك القاعدة استثناءات معروفة بالتاريخ الأميركي.
لكن حتى في تلك الحالات الاستثنائية، تكون الصورة واضحة في العادة. ومن هنا يأتي الفارق بين سوابق الانتخابات التشريعية الأميركية وبين العام الحالي. فهناك الكثير من المؤشرات المتباينة التي تجعل من الانتخابات مفتوحة على كل الاحتمالات.
فمنذ شهر ونصف تقريباً، كانت الاستطلاعات تشير إلى احتمال فوز الديمقراطيين بأغلبية مقاعد مجلس النواب بينما تظل الأغلبية في مجلس الشيوخ للجمهوريين. لكن تلا ذلك بفترة وجيزة استطلاعات جديدة تشير إلى احتمالية فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس الشيوخ هو الآخر.
أما استطلاعات الأسبوع الجاري، فقد عادت لتشير مرة أخرى للسيناريو الأول، أي تقدم الديمقراطيين في المنافسة على مقاعد مجلس النواب وتقدم الجمهوريين في انتخابات مجلس الشيوخ. لكن لعل أهم ما قدمته الاستطلاعات الأخيرة هو أنها أشارت لتقدم الديمقراطيين اليوم بفارق خمس نقاط فقط بالمقارنة بثماني نقاط قبل الشهر ونصف الشهر.
وسبب ذلك التذبذب في تقديري هو أن الحزب الديمقراطي لم يفلح في أن يقدم نفسه كبديل حقيقي لسياسات ترامب وإنما قامت استراتيجيته الانتخابية على تحويل ترامب شخصياً إلى القضية الانتخابية الوحيدة. وتلك الاستراتيجية لا تخدم في الحقيقة سوى ترامب وحزبه. فانتخابات نوفمبر المقبل ستحسم ليس فقط لصالح الحزب القادر على حشد أنصاره لصناديق الاقتراع وإنما القادر على إثارة حماسهم.
فلأن انتخابات منتصف المدة لا تصاحبها انتخابات رئاسية فإن الذين يذهبون للتصويت يكونون عادة الأكثر إيماناً بحزبهم أو الذين لديهم دافع حقيقي للتصويت. لذلك، كانت الاستطلاعات تشير لتقدم الديمقراطيين، في البداية، لأن ناخبي الحزب غير راضين بالضرورة عن سياسات ترامب وأدائه ومن ثم لديهم دافع حقيقي للتصويت.
لكن الجدل الشديد الذي أحاط بالتصديق على تعيين القاضي بريت كافانو للمحكمة العليا هو ما نجح الجمهوريون في استخدامه لإثارة حماسة الناخبين الجمهوريين. لذلك تبدلت الصورة، خصوصاً مع عجز الديمقراطيين عن تقديم قضايا انتخابية يمكن للناخب المستقل أن يفاضل بشأنها بين مواقفهم ومواقف الجمهوريين.
فتحويل الانتخابات لاستفتاء على ترامب يخدم ترامب وحزبه. فالرئيس الأميركي بارع أصلاً في التلاعب بالإعلام عبر تركيز الأضواء طوال الوقت على شخصه، ثم يطلق تصريحات قد يراها البعض فجة إلا أنها تؤجج حماس أنصاره، فيخدم بذلك مقدرات حزبه.
لكن، ومع ذلك كله، ستظل هناك قطاعات بعينها من الناخبين قد تحسم تلك الانتخابات لغير صالح الجمهوريين. فلم يتضح بعد ما إذا كانت المرأة البيضاء التي تقطن الضواحي، والتي أعطت صوتها لترامب في 2016 قد تغير موقفها بعد جدل قضية كافانو.
وليس واضحاً بعد موقف الشباب حديثي العهد بالتصويت، وما إذا كانوا سيذهبون أصلاً لصناديق الاقتراع بأعداد تحسم النتيجة. فشباب الجامعات تحديداً تأثروا فيما سبق بالقيود التي سعى الجمهوريون لوضعها حول إمكانية إدلائهم بأصواتهم في الولايات التي بها جامعاتهم بدلاً من إجبارهم على الذهاب لولاياتهم الأصلية.
وما لا يقل أهمية عن كل ذلك هو المحاولات التي تجري على قدم وساق من جانب الجمهوريين للحد من قدرة السود على التصويت. وتلك ليست محاولات جديدة وإنما لا تزال حكومات الولايات ذات الأغلبية من الجمهوريين تمارسها، لأن السود في أغلبيتهم الساحقة يعطون أصواتهم للديمقراطيين. وهي محاولات رصدتها ووثقتها مراكز الأبحاث، فضلاً عن الصحف ووكالات الأنباء.
وكان آخر تلك الوقائع ما رصدته وكالة الاسوشيتد برس من ولاية جورجيا. فهي كشفت عن منع أكثر من 53 ألفاً من السود من التسجيل كناخبين بدعوى الحاجة للمزيد من الوقت لفحص أوراقهم. وهو ما دفع بعض الجمعيات الحقوقية لرفع الأمر للقضاء مطالبين الولاية بالانتهاء فوراً من ذلك الفحص المطول.
لذلك كله فإن انتخابات نوفمبر التشريعية ليست محسومة من الآن كما يتم تصويرها، وهي ستؤثر ليس فقط على مستقبل ترامب وسياساته الداخلية والخارجية.
إلا أن المتيقن الوحيد هو أنه سواء فاز الديمقراطيون أو الجمهوريون بأغلبية المقاعد، فلن تنخفض وتيرة الاستقطاب السياسي الحاد الذي تعيشه الولايات المتحدة، إن لم ترتفع تلك الوتيرة أصلاً.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد متخصصة في النظام السياسي الأميركي.
المصدر: البيان – دبي