أدت الحرب إلى منع روسيا التصدير من ميناء أوديسا فيما قامت أوكرانيا بتلغيم مناطقها المائية لمنع الجيش الروسي من التقدم.
الغزو الروسي لأوكرانيا انضاف للتغيّر المناخي، وإجراءات كورونا، وعوامل أخرى ليضرب التوازن الغذائي العالمي ويهدد مئات ملايين البشر بالمجاعة.
نقص مهول في إمدادات الحبوب أدى لارتفاع أسعارها يقارب 60% وارتفاع عدد البشر الذين لا ضمانة لهم للحصول على ما يسد رمقهم من 440 مليون إلى 1.6 مليار شخص.
حوّلت حرب أوكرانيا وضع مخيفا ناتجا عن التغيّر المناخي وعوائق الوباء لكارثة قادمة مؤكدة، فروسيا وأوكرانيا يقدمان 28% من قمح العالم، و29% من الشعير، و75% من زيت عباد الشمس.
* * *
حمل غلاف مجلة «إيكونوميست» الأخير صورة سنابل قمح تحمل جماجم بدل الحبوب فيما حمل موضوعها الرئيسي عنوان «كارثة الطعام المقبلة» وتتابع المطبوعة الاقتصادية الشهيرة بذلك تداعيات الحدث الخطير لغزو روسيا لأوكرانيا، الذي انضاف إلى آثار التغيّر المناخي، وإجراءات وباء كورونا، وعوامل أخرى، ليضرب معادلة التوازن الغذائي العالمية ويهدد، في الشهور والسنوات المقبلة، مئات ملايين البشر بالمجاعة.
قبل اجتياح روسيا لأوكرانيا كانت منظمة الغذاء العالمية قد حذرت أن العام الحالي سيكون فظيعا، فالصين، التي تعتبر أكبر منتج للقمح في العالم، قالت إنه بسبب تأخر الأمطار السنة الماضية فإن محصولها من القمح كان الأسوأ في تاريخها الحديث، أما الهند، وهي المنتج الثاني عالميا، فإضافة لتأخر الأمطار عانت من الحرارة الشديدة، وتعرضت محاصيل القرن الأفريقي لأسوا حالة قحط منذ أربعة عقود.
حوّلت حرب أوكرانيا، بهذا المعنى، الوضع المخيف الناتج عن التغيّر المناخي والعوائق التي خلقها الوباء إلى كارثة قادمة مؤكدة، فالبلدان المتحاربان يقدمان 28٪ من قمح العالم، و29٪ من الشعير، و75٪ من زيت عباد الشمس.
وهما تسهمان في تقديم ثلثي الحبوب التي تستوردها مصر وليبيا، ونصف الحبوب لتونس ولبنان، ومنتجات أوكرانيا وحدها من الأغذية تؤمن إطعام 400 مليون نسمة.
وأدت الحرب إلى منع روسيا التصدير من ميناء أوديسا (ملوحة بفتحه إذا تم تخفيف العقوبات عليها) فيما قامت أوكرانيا بتلغيم مناطقها المائية لمنع الجيش الروسي من التقدم.
ساهمت هذه الوقائع في نقص مهول في إمدادات الحبوب وبالتالي في ارتفاع كبير في أسعارها يقارب 60٪ وأدى ذلك لارتفاع رقم عدد البشر الذين لا ضمانة لهم للحصول على ما يكفي لسد رمقهم من 440 مليون إلى مليار وستمئة مليون شخص.
وستضرب هذه الكارثة الطبقات الفقيرة التي تعتمد بشكل رئيسي على الخبز في معيشها، فمواطنو مجمل الدول ذات الاقتصادات النامية يصرفون قرابة ربع مداخيلهم (وفي بعض دول القرن الأفريقي 40٪ منها) وفي مصر، على سبيل المثال، (الذي يسمّي الناس فيها الخبز «عيشا» لأنه يمثل لهم الحياة) يؤمن الخبز 30٪ من حجم السعرات الحرارية التي يتمكن المواطن من الحصول عليها.
بالتزامن، وبعد وعد رئيس وزراء الهند بتصدير جزء من إنتاجها من الحبوب للعالم، قام بإصدار قرار، قبل أيام، بحظر تصدير القمح، مما رفع سعره مجددا، وأتبعت الهند ذلك بقرار آخر بحصر تصدير السكر أيضا، كما قيدت إندونيسيا صادرات زيت النخيل، وحظرت مصر تصدير المواد الغذائية الأساسية.
اتهم الأوكرانيون القيادة الروسية بسرقة مئات آلاف الأطنان من الحبوب ومحاولة بيعها، وتمكنت وسائل مراقبة من كشف سفينتين ترفعان العلم الروسي تحملان حبوبا مسروقة، وتتجه واحدة من السفينتين إلى بيروت عبر بحر إيجة، فيما اتهمت واشنطن موسكو بتحويل الغذاء إلى سلاح.
يبدو أن استراتيجيات الموت في الحرب تتفوق على استراتيجيات البقاء، فوصول واردات أوكرانيا وروسيا إلى العالم يتعلّق، عمليا، بسماح موسكو لأوكرانيا بشحن سلعها الغذائية، وإزالة كييف للألغام في الطريق نحو أوديسا، وعلى تركيا السماح لسفن البلدين بالخروج من مضيق البوسفور.
وهذا يفرض على قيادات البلدان المعنية، بما فيها الصين والهند، اللتان تملكان تأثيرا على روسيا، أن تقرر أن دفع مئات ملايين البشر للمجاعة ليس من مصلحة أحد.
موضوعات تهمك: