يتمسّك لبنان برفض أن تستخرج إسرائيل الغاز من حقل كاريش بانتظار انتهاء المفاوضات وترسيم الحدود البحرية بشكل كامل.
أن يظلّ الموقف اللبناني الرسمي مبهماً، ولا يستند إلى أيّ مسوّغ قانوني، فإنّ هذا يحوّل لبنان من صاحب حقّ إلى معتدٍ، ومن مظلوم إلى ظالم.
لبنان يصرّ على مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية ويتمسّك بحقه في الخط 23 ويرفض اقتسام حقل “قانا” الذي يقسمه الخط 23 إلى قسمين.
* * *
بقلم: وائل نجم
استمع الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، آموس هوكشتاين، في بيروت إلى الردّ اللبناني على مقترحه الذي تقدّم به قبل بضعة أشهر، شفوياً من رئيس الجمهورية، ميشال عون.
موقف تقف خلفه كلّ القيادة اللبنانية، مضمونه أنّ لبنان يصرّ على المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بخصوص مسألة ترسيم الحدود، ويتمسّك بحقه في الخط 23 ويرفض اقتسام حقل “قانا” الذي يقسمه الخط 23 إلى قسمين، ويتمسّك أيضاً برفض أن تستخرج الحكومة الإسرائيلية الغاز من حقل كاريش بانتظار انتهاء المفاوضات وترسيم الحدود البحرية بشكل كامل.
بمعنى آخر تأخير استخراج الغاز من هذا الحقل بعد أن استقدم الإسرائيلي سفينة يونانية إلى هذا الحقل لهذه الغاية. ولكن الجواب اللبناني لم يتطرّق إلى الخط 29 الذي أكّد الجيش اللبناني، في تقاريره، بعد المسح الجغرافي الذي أجراه في منطقة ساحل الناقورة، أنّ خط الحدود البحرية هو الخط 29 الذي يعطي لبنان منطقة تقدّر مساحتها بأكثر من 1400كلم2 وتضمّ جزءاً من حقل كاريش.
وهنا طرح السؤال نفسه عن جدّية الحفاظ على حقوق لبنان في هذه المنطقة، خصوصا أنّ لبنان تكلّف أموالاً مقابل القيام بهذا المسح، حتى جرى التوصّل إلى ترسيم هذا الخط؟ فضلاً عن السؤال الآخر عن كيفية حماية لبنان هذا الحقّ، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية العملانية الميدانية؟
من الواضح أنّ هوكشتاين، ومن خلفه الإدارة الأميركية، ومعهما حكومة إسرائيل، وأيضاً الأمم المتحدة، كلّ هؤلاء لا يعترفون بالخط 29، ولا قيمة له عندهم، لأنّه ببساطة خط غير موثّق ولا مسجّل لدى دوائر الأمم المتحدة. وبالتالي، لا وجود له في وساطة هوكشتاين، وأنّ أيّ مطلب لبناني بوقف إسرائيل استخراج الغاز من حقل كاريش، من وجهة نظر هوكشتاين، غير محقّ، بل هو نوع من عرقلة الوساطة الأميركية لحلّ هذه القضية!
هذا إذا اعتبرنا أنّ الولايات المتحدة جادّة في حلّ هذه القضية، أو إذا سلّمنا بنزاهتها في هذه الوساطة، خصوصا أنّ معلومات تردّدت أنّ هوكشتاين يحمل الجنسية الإسرائيلية إضافة إلى الجنسية الأميركية، فضلاً عن أنّه قد خدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي بين 1992 و1995.
عنصر القوّة الأساسي الذي يمكّن المفاوض اللبناني من التمسّك بحقه وثروته، ويمنع إسرائيل من سرقة هذا الحق وهذه الثروة الوطنية، يبدأ من تعديل المرسوم 6433 وتثبيت الخط 29 لدى الأمم المتحدة خطّ حدود بحرية، ومن ثم تحميل الوسيط الأميركي أو غيره مسؤولية استخراج الحكومة الإسرائيلية النفط أو الغاز من المنطقة المتنازع عليها.
والقيام بخطوة تعديل المرسوم وتثبيت الخط 29 لدى الأمم المتحدة يمنح الموقف اللبناني التفاوضي قوّة قانونية وحجّة شرعية، حتى خلال المفاوضات غير المباشرة التي طالب بها لبنان، ويمنع إسرائيل من استخراج الغاز من هذا الحقل، لأنّ تثبيت الخط 29 في الأمم المتحدة يحوّل المنطقة إلى منطقة نزاع، وبالتالي ذلك كفيل بمنع العمل فيها على أيّ من المتنازعين، وبذلك يمكن حفظ الثروة الوطنية إلى حين الاتفاق على ترسيم الحدود.
كما وأنّ خطوة تثبيت الخط 29 لدى الأمم المتحدة تمنح المقاومة اللبنانية شرعية وسقفاً للدفاع عن الحقوق اللبنانية في هذه المنطقة، وهي تملك قوّة تؤّهلها الدفاع عن هذه الحقوق، وتمكّنها من فرض معادلةٍ تحفظ بها ومن خلالها الحقوق، وتجعل الإسرائيلي يفكّر ألف مرّة قبل أن يقدم على أيّة خطوة آحادية في هذه المنطقة.
أمّا أن يظلّ الموقف اللبناني الرسمي مبهماً، ولا يستند إلى أيّ مسوّغ قانوني، فإنّ هذا يحوّل لبنان من صاحب حقّ إلى معتدٍ، ومن مظلوم إلى ظالم، فضلاً عن أنّه يمنح الطرف الآخر فرصة لتحريض كل العالم على لبنان، بما في ذلك، بشكل أساسي، أوروبا التي تجد نفسها اليوم بحاجة ماسّة إلى الغاز في ظلّ الحرب الروسية الأوكرانية.
وهي بالمناسبة فرصة حقيقية وجدّية للبنان للحصول على حقوقه وثروته. بغير ذلك، تذهب كل الأموال التي دُفعت من أجل ترسيم الخط 29 هباءً منثوراً، فضلاً عن أنّ هذا الموقف المبهم يكون قد كشف المقاومة فيما لو فكّرت في أيّ يوم بحماية حقوق لبنان وثروته، وحوّلها من قوّة تسهم في حماية لبنان إلى مجموعة “إرهابية” تنشر الفوضى والعنف في المنطقة والعالم.
* وائل نجم كاتب صحفي لبناني
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: