ملاك الأرض لقب عن جدارة استحقه إنسان بالمقام الأولى عمل على إنقاذ آلاف الأطفال المرضى بأمراض مستعصية أصابتهم ونهايتهم باتت وشيكة، هذه مقدمة لتقرير عن إنسان أودع الله في قلبه رحمة الملائكة، وفقا لما وصفه الآلاف من البشر عرفوا قصته وتعاطفوا معها ومع الحالات الإنسانية التي صنع منها ملحمة شاعرية إنسانية ليست من نسج الخيال.
أطلق اللقب على المواطن الليبي المهاجر محمد بزيك، والذي يبلغ من العمر 65 عاما، يحمل الجنسية الأمريكية ومقيم في ولاية لوس أنجلوس، جنوب غربي الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كرس حياته لفعل الخير بلا أي مقابل، وكأنما جمع في قلبه حنان الأمومة البشرية جمعاء.س
قصة ملاك الأرض
غادر محمد بزيك العاصمة الليبية طرابلس إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978، واستقر بها من أجل الدراسة وتخرج مهندسا للإكترونيات، لكن قصته الفعلية بدأت منذ عشرين عاما، حيث قرر المواطن الليبي الأمريكي محمد بزيك، من العمل على خدمة الأطفال الذين تركهم ذويهم وأقفلوا كل الأبواب امامهم بسبب الأمراض المستعصية والمميتة، ليتولى هو رعايتهم ويكون منهم أسرة إنسانية عظيمة، لن تدوم ولكنها ستعيش في وجدان الكثيرين.
عادة ما يقوم عدد كبير من الأسر التي رزقت بطفل مصاب بأمراض خطيرة أو أمراض لا يمكن الشفاء منها، أن يقوموا بإلقاءه إلى مصحة أو مستشفى او حتى في الشارع، وذلك للتبرأ بشكل غير إنساني وغير معقول من طفلهم الذي أنجبوا إلى هذا العالم ليشقى بعض الدقائق أو الساعات أو الأشهر ويقضي، فيكون قد ولد ليواجه الحياة القاسية ويموت موتة غير رحيمة، بلا موتة عذاب بالنسبة لطفل.
قليلون من يأبهون لمعاناة هؤلاء الأطفال، بينما الغالبية تبرر لنفسها الخروج من تلك المشاعر عن طريق مبررات أنهم غير واعين أو غير مدركين لما يحدث لهم، لكن ملام الأرض أو من سمي بـ ملاك بلا أجنحة كان له رأي آخر وتوجه أكثر إنسانية ورحمة.
منظمة إيديكايت إنسابير تشاينج نشرت تقريرا مؤخرا تقول فيه أن محمد بزيك أو ملاك الأرض احتضن بين ذراعيه الأطفال الذين تخلت عنهم القلوب التي أنجبتهم، أو من تم إلقاءهم للتبني، وتركوا من أجل لقاء المعاناة والمرض وحدهم، وذلك على مدار عقدين كاملين من الزمان.
وبحسب المنظمة فإن بزيك قال أنه كان يتحدث دوما مع أطفاله (في إشارة للأطفال الذين يرعاهم)، مضيفا: “لا يهمني إن كانوا يروني أو يسمعونني، لكنني أتحدث معهم فقط كونهم بشر وهو ما أعرفه، حيث لديهم روح ومشاعر”.
محمد بزيك يصنع إنسانية
بحسب تقارير فإن محمد بزيك قد ضم إلى كنفه ورعايته في منزله 80 طفلا خلال عشرين عاما، حيث صنع لهم عائلة وجوا لا يشعرون فيه بأي نقص إنساني، فلديهم أشقاء وشقيقات ورجل يرعاهم، بينما خلال رحلته الإنسانية فقد عشرة أطفال منهم بسبب مرضهم بينما تمكن من إنقاذ السبعين الباقين.
قدم الرجل نموذجا مصغرا للإنسانية في التراحم والتعاطف، وهو ما يمكن أن يقدمه رجل متدين مثل محمد، صنع من مجتمع من الأطفال الملقين في الشوارع والمصحات والملاجئ نموذجا من الإنسانية، فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أن يقوم رجل بصناع شبكة أخوية بجعل مجموعة من الأطفال الذين تشاركوا في تخلي ذويهم عنهم وليس هناك أي إمكانية لتلاقيهم على مدار السنين، وصنع منهم عائلة كاملة.
كم طفل كاد أن يموت بسبب ما حدث له أو أن يتشرد أو أن يتحول إلى مجرم، عاش حياته الإنسانية الطبيعية كطفل لديه إخوة يدخل المدرسة يجد أبا يرعاه عند العودة، ويد تعطيه الطعام منذ أن كان لا يزال يحبو أو حتى لا يتحرك حتى أن صار شابا يافعا في بداية العشرين من عمره؟
لقد تمكن الرجل من إنقاذ مجتمع بأكمله بكافة الوظائف المهنية والإنسانية، مملوئين بالمشاعر، ناموا لمدة عشرين عاما على سرائر دافئة عوضا عن الشارع، بعضهم توفي لكنه توفي وفاة رحيمة تليق بالانسان.
تقول دورية لوس أنجلوس تايمز المحلية والتي تصدر بشكل يومي، أن من بين 35 ألف طفل مسجلين في إدارة خدمات الأطفال والأسرة بالمقاطعة، هناك 600 طفل يعانون من احتياجات طبية شديدة، ومن أجل العثور على من يرعاهم فإن ملاك الأرض محمد بزيك هو أول من تتصل به السلطات الصحية ليستقبل الأطفال، على الرغم من كونه يعرف أنهم سيموتون.
وعلى الرغم من كون محمد يعرف انهم سيموتون إلا أنه يؤكد أنه يعمل على بذل أقصى جهد لديه كإنسان ويترك أي شئ آخر خارج إرادته لرحمة الله.
محمد ينشر الرحمة
خلال عمله في مثل تلك الخدمات الإنسانية الجليلة لابد أن محمد بزيك أثر في العشرات، من البشر، من بينهم المواطنة الأمريكية مارغريت كوتس، التي دخلت إلى تلك المنظومة الإنسانية التي صنعها محمد ملاك الأرض من أجل تقديم العون والإغاثة للأطفال الذين لاقوا المصير ذاته.
كوتس أطلقت حملة تبرعات بداية من يوم 8 فبراير/ شباط قبل ثلاثة أعوام من أجل جمع الأموال التي تدعم بها محمد لزيادة خدماته الإنسانية في رعاية عدد أكبر من الأطفال، وكفالة ظروف أفضل لهم ولمعيشتهم، حيث أن عناية مرضى بهذه الحالات في الولايات المتحدة الأمريكية أمر باهظ الثمن ماديا (وإنسانيا أيضا).
ووفقا لتقارير صحفية فإن الفتاة الأمريكية تمكنت من جمع 642 ألف و888 دولارا أمريكيا ولا تزال تعمل في هذا المجال الإنساني لمشاركة محمد بزيد عملياته الإنسانية، بينما قالت في وقت سابق أن عائلة الرجل الليبي داخل ليبيا أسست دارا لرعاية الأطفال الأيتام من أجل رعاية 600 طفلا، ما يؤكد أصالة تلك العائلة العربية وترابطها بالقيم والأخلاق الإنسانية الوطيدة وهو ما يعني أن محمد فرع من شجرة كبيرة من الخير والإنسانية.
يذكر أن محمد قد كرم من دائرة الشؤون الدينية التركية وحصل على جائزة الإحسان الدولية المرموقة التي تمنح لمن قاموا بأعمال عظيمة للإنسانية.
ربما يتوافر لدى محمد إمكانيات بسيطة للغاية لكنه صنع منها عالما من الإنسانية يحتذى بها، ويقدم باعتباره نموذجا حقيقيا للإنسانية، بعيدا عن الشعارات البراقة والتي تملأ الشاشات والمواقع والأوراق ليلا ونهارا، وهو النموذج الذي ربما لو تحلى بها مجموعة من البشر لربما تغير وجه العالم مهما كانت المجموعة صغيرة ومتفرقة.
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة