مقابلة مع المنظر الأمريكي فرانسيس فوكوياما حول النيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) والإشتراكية وإعادة ترتيب أفكاره بعد أكثر من 25 عاما، بالإضافة إلى حديثه عن الأزمة الأمريكية الصينية ومفاوضات بريكزت.
نُشر هذا الحوار لأول مرة أمس، في مجلة “نيو استيتس مان” البريطانية، وترجمته “الساعة 25”.
نص المقابلة:
لقد أتى التاريخ على المنظر النيوليبرالي، فرانسيس فوكوياما. بعد الحرب الباردة، وفي ذروة صعود الليبرالية عام 1992، كتب فوكويما في كتابه “The End of History and the Last Man“، أن “ما قد نشهده هو نهاية التطور الأيديولوجي، وسيادة الديموقراطية الليبرالية الغربية بإعتبارها الشكل النهائي للحكومات البشرية”.
بعد مرور 26 عاما، ومع صعود الليبرالية العالمية، من الولايات المتحدة إلى روسيا ومن تركيا إلى بولندا ومن المجر إلى إيطاليا، يسعى الكتاب التاسع لفوكوياما ذو الهوية الجديدة: “The Demand for Dignity and the Politics of Resentment”، التعامل مع تلك القوى.
وفي مقابلة المحرر مع الأكاديمي في استانفورد (65 عاما)، بيّن تأكيده على استمرار قناعاته السابقة، قائلا: “لقد قلت أنذاك (عام 1992)، مشكلة الديموقراطية الحديثة هي أنها تسعى لتوفير السلام والإزدهار فقط، لكن الناس يريدون أكثر من ذلك (..) فالديموقراطيات الليبرالية لا تتدخل في وضع شكل محدد للحياة الجيدة، وتركت ذلك لأفراد يعانون من الغربة، وليس لديهم هدف، مما دفعهم للإنتماء لمجموعاتهم الهوياتية من أجل بعض الشعور بالإجتماعية”.
وأضاف فوكوياما خلال المقابلة، ان منتقديه “ربما اكتفوا بقراءة الجزء الخاص بنهاية التاريخ في الكتاب، ولم يكملوا القراء حتى النهاية، حيث جزء الإنسان الأخير، والذي يتعلق ببعض التهديدات المحتملة للديموقراطية”.
يوشيهيرو فرنسيس فوكوياما وُلد في ولاية شيكاغو الأمريكية لأب ياباني وأم يابانية (وكان جده قد هاجر إلى كاليفورنيا في فترة الحرب الروسية اليابانية عام 1905)، لكنه لم يتعلم لغة أسلافه، كما أنه يصف نفسه ببساطة بأنه أمريكي، مشيرًا “لم تكن العرقية شائعة وقتما كنت أترعرع”.
اقرأ/ي أيضا: هل يعاقب ترامب الرياض؟
فوكوياما الذي درس الفلسفة السياسية في جامعة كورنيل، على يد ألان بلوم مؤلف كتاب “إغلاق العقل الأمريكي”، مما كان له الأثر في ميوله لحركة المحافظين الجدد، كما أنه كان لفوكويما استرشاده بتنظيرات بول ولفويتس حينما كان مسؤولا حكوميا في فترتي بوش وريجان. لكن فوكويما تراجع في أواخر 2003 عن دعمه لحرب العراق، كما يعتبرها الأن من ضمن الأخطاء الواضحة، كما أصبح يعتبر إلغاء القيود المالية وخلق اليورو خطأً. “تلك السياسات التي دفعت بها النخبة تحولت إلى كوارث، هذه مبررات كافية لإثارة إنزعاج العامة”.
“كتاب نهاية التاريخ كان بمثابة توبيخا للماركسيين الذين كانوا يرون أن الشيوعية هي المنتهى بالنسبة للإيديولوجيا الإنسانية”. وبسؤاله كيف، وهل يرى إمكانية عودة اليسار الإشتراكي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة؟ أجاب فوكويما أن ذلك “يتعلق بما تعنيه الإشتراكية، لو كانت تعني ملكية وسائل الإنتاج -بإستثناء المرافق العامة- فأعتقد أن هذا الأمر لن يحدث”.
“أما إذا كنت تعني، برامج إعادة التوزيع التي ظهرت أنذاك، والتي تحاول معالجة الخلل الذي تسببت فيها ثنائية الدخول والثروة، فإن الإجابة ستكون نعم، ليس فقط يمكن أن تعود، بل إن عودتها أصبحت ضرورة. إن هذه الفترة التي بدأت مع ريغان وتاتشر، ترسخت فيها أفكار معينة حول فوائد الأسواق المنفلتة، كان لها تأثير كارثي من كل المناحي”.
“لقد أدت المساواة الإجتماعية إلى نقابات عمالية ضعيفة غير قادرة على دعم العمال العاديين، وصعود طبقة القلة المتحكمة في كل مكان، وفرضها سياسات معينة وممارستها التسلط بشكل غير مبرر، لو كنا قد تعلمنا شيئا من الأزمة المالية، فهي أنه لابد من تنظيم القطاع كما لو كان الجحيم، حيث أنها -الأزمة- ستجعل الجميع يدفعون، لقد أصبحت تلك الأفكار مغروسة في منطقة اليورو، حيث كان التقشف المفروض من قبل ألمانيا على جنوب أوروبا كارثيا”.
وفاجئني فوكوياما مضيفا: “توقعات كارل ماركس بشأن فرط الإنتاج الذي سيؤدي عكسيا لضعف الطلب وزيادة فقر العمال، قد حدثت”. لكن فوكويما عاد وقال من يستطيع منافسة الديموقراطية الليبرالية ليست الإشتراكية، وإنما النموذج الرأسمالي في الصين، موضحا “الصينيون يتحدثون دوما عن تفوقهم وقدرتهم الحفاظ على الإستقرار واستمرارية النمو الإقتصادي على مدى بعيد، في حين لا تستطيع الديموقراطية فعل ذلك (..) لو أنه في ثلاثين سنة أخرى قالوا أن الصين ستكون أكبر من الولايات المتحدة، والشعب الصيني أكثر ثراءا، فإنني أقول ان لديهم حجة حقيقية”، لكنه أشار إلى أن “الإختبار الحقيقي سيكون حيال الوقوع في أزمة إقتصادية”.
اقرأ/ي أيضا: اقتصادات التدخين
وأعرب فوكوياما عن قلقه إزاء إمكانية نشوب حربا بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، بحسب فكرة غراهام أليسون، الأكاديمي في جامعة هارفارد حول الصدام بين قوة قائمة وقوة صاعدة (the Thucydides trap)، “إن من الحمق استباعد الناس لتلك الإحتمالية، هناك العديد من الإحتمالات التي يمكن أن تبدأ حربا كهذه، ربما لن تبدأ بهجوم مباشر من دولة على الأخرى، مثل غزو ألمانيا لبولندا عام 1939، لكن قد يبدأ من الصراع المحلي حول تايوان، او من خلال تصعيد في بحر الصين الجنوبي”.
ويوم المقابلة مع فوكوياما، كانت حكومة بريطانيا قد فشلت في التوصل لإتفاق بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي في محادثات جرت يومها، وفي تعليقه قال فوكويما “أنه من الخطأ إجراء استفتاء في بلد برلماني”، يعتقد فوكويما أنه “أمرا جيدا أن تكون هناك حكومة تمثيلية، لو كان كاميرون التزم بذلك لما كانت تلك المشكلة قد وقعت الأن”.
وفي أخر كل هذا الحوار، حذّر فوكوياما الليبراليين من أن يعتبروا أن الديموقراطية غير الليبرالية هي النهاية الجديدة للتاريخ، داعيا الناس إلى “بعض التروي”.
اقرأ/ي أيضا: عقيدة ترامب