- لم يكن لهذه النجاة أن تتحقق دون توافق دولي عليها، وتحديدا توافق روسي ـ أميركي ـ إسرائيلي.
- سلطات اليوم الفاعلة في العالم لا تهمها أية عدالة، ولا ترى أية ضحايا، فهي لا ترى سوى مصالحها الضيقة.
- عالم يتعايش مع القاتل ويخضع له الضحية أقل ما يقال إنه يتصف بالسفالة عالم لا أخلاقي يحتاج إلى تغيير جذري.
بقلم: سمير الزبن
بات واضحا أن بشار الأسد في طريقه إلى النجاة بجرائمه التي ارتكبها بحق السوريين على مرأى ومسمع من العالم الذي يعمل على إعادة تأهيله، رغم كل الدماء والآلام التي سببها للسوريين في سبع سنوات من الحرب الدموية على شعبه. وبالطبع، لم يكن لهذه النجاة أن تتحقق من دون توافق دولي عليها، وتحديدا توافق روسي ـ أميركي ـ إسرائيلي خصوصا.
المعنى الأول الذي يمكن قراءته لهذه النجاة هو الإعلان المدوي عن افتقاد عالم اليوم إلى الحد الأدنى من العدالة الإنسانية، فأن يبقى مجرمٌ معلنٌ، مثل بشار الأسد، على رأس بلد قتل شعبه، أقل ما يقال فيه، إنه سقوط لفكرة العدالة في عالم اليوم.
وهو رسالة لكل الضحايا اليوم، ولكل من يمكن أن يكون ضحية في المستقبل، أن هذا العالم لن يلتفت إلى آلامك، ولا إلى دمائك إن سفكها طاغية، فالعالم لا يملك أي إرادة أو رغبة في معاقبة المجرمين، فليس هناك عقاب للطغاة على جرائمهم، إنما العقاب لمن يفكّر في الاحتجاج على الطغيان.
يبدو عالم اليوم على الضعفاء في ظل السلطتين الأهم في كل من الولايات المتحدة وروسيا، فعلى رأس كل من الدولتين رئيسان شعبويان يتعاملان مع السلطة بوصفها مزرعة شخصية، كما يفعل فلاديمير بوتين مع روسيا، أو شركة تجارية تمارس الابتزاز حتى على أصدقائها، كما يفعل دونالد ترامب.
إنهما يسيران خطوات كبيرة باتجاه تحويل السياسة من أداةٍ تمارس لتحقيق مصالح في الخلفية العملية السياسية، إلى السياسة بوصفها عملية ابتزازٍ، للحصول على مكاسب مباشرة.
هذا ما فعله ترامب في اجتماع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) أخيرا، عندما تحدث عن جمع مبلغ معقول من المال، وعندما ضرب عرض الحائط بأصدقائه في الحلف، عندما قال إن اجتماعه مع بوتين كان أفضل من اجتماع “الناتو”.
ولم يتورع عن اتخاذ إجراءات ضد اللاجئين من بعض الدول الإسلامية، ومنع دخولهم الولايات المتحدة عبر معركة طويلة مع القضاء الأميركي.
ولم يتورّع عن نقد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بسبب من سياسة الباب المفتوح التي تتبعها بلدها تجاه اللاجئين السوريين، والتي اعتبرها خطرا على الغرب، حتى إنه اخترع حوادث إرهابية في السويد لم تحصل لمهاجمة سياسة الهجرة الأوروبية.
وبلغ الابتزاز ذروته مع المكسيك، حيث يريد بناء جدار عنصري على الحدود معها، يمنع الهجرة من المكسيك إلى الولايات المتحدة، على أن تدفع المكسيك كلفته.
أما مع بوتين فحدّث ولا حرج، تدخل في الصراع السوري بذراعه العسكرية، ممثلة بالقوات الجوية التي عاثت تدميرا في المدن السورية، بحجة طرد الإرهابيين، وكان المثال الملهم لبوتين السياسة الروسية التدميرية في عاصمة الشيشان، غروزني.
والعنوان الرئيسي لهذه السياسة أن ما لا ينجح بالتدمير ينجح في المزيد منه، وصولا إلى الأرض المحروقة بالقضاء على كل شيء، كما جرى في مناطق سورية عديدة، هدمت عن بكرة أبيها، بفضل الطيران الروسي.
وقد استثمر بوتين في الأزمة السورية من أجل إثبات أن روسيا لا تزال معادلا في القوة للغرب، وأن التدخل في مناطق النفوذ الروسية، كما جرى في أوكرانيا، يجعل روسيا خطرةً حتى على الداخل الغربي، مثل التدخل في الانتخابات الأميركية لإنجاح ترامب.
فهناك اتهاماتٌ جدّية بشأن هذا التدخل، دفعت لتكليف المحقق روبرت مولر للتحقيق في الموضوع، وهناك اتهامات بريطانية لقيام روسيا باغتيالات على الأراضي البريطانية.
عند الحديث عن سلطة شعبوية في كل من الولايات المتحدة وروسيا، ومد يمني عنصري أوروبي، لا نبتعد عن الصراع في سورية، فهذه الخريطة السياسية في العالم هي التي جعلت نجاة بشار الأسد ممكنة.
ففي وقتٍ يتخلى من اعتبروا أنفسهم “أصدقاء الشعب السوري” عنه، بعد التوافق الأميركي/ الروسي على تقديم سورية للروس، في مقابل الحفاظ على أمن إسرائيل، بإبعاد الإيرانيين عن الحدود، والحفاظ على سلطة بشار الأسد.
كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو واضحا في قوله إن إسرائيل “لا تعارض استقرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سورية”، لكنها ستعمل على حماية حدودها، حتى لو كان ضد الجيش السوري، كما فعلت خلال سنوات من الحرب الأهلية.
وأضاف، قبل زيارته الشهر الماضي موسكو، “لم تكن لدينا مشكلة مع نظام الأسد (فترتي الرئيسين، السابق حافظ الأسد والحالي بشار الأسد)، أربعون عاما لم تطلق رصاصة واحدة في هضبة الجولان”.
ولا شك أن السياسية الأميركية بشأن سورية ذات أولوية إسرائيلية، لا يدل عليها الصفقة مع روسيا لبقاء الأسد في السلطة فحسب، بل وأيضا المبادرة الأميركية “صفقة القرن”، والتي تكرّر المطالب الإسرائيلية، بعد أن نقل ترامب السفارة الأميركية في تل أبيب إلى القدس، مستبقا صفقته.
وهو ما دلّ على انحياز فج غير مسبوق من إدارة ترامب إلى أجندة إسرائيلية، يتناسب مع عقلية الابتزاز التجاري.
تقاطعات المصالح اليمينية والشعبوية في العالم التي لا ترى أنين الضحايا، ولا تسمعها، ولا تفكر في محاسبة القاتل، جعلت من نجاة الأسد بجرائمه الدرس الأبلغ في عالم اليوم. ولا مبالغة في القول إن سلطات اليوم الفاعلة في العالم لا تهمها أية عدالة، ولا ترى أية ضحايا، فهي لا ترى سوى مصالحها الضيقة.
وفي هذا السياق، لا يبدو غريبا أن يتصالح ترامب مع أردأ نظام في العالم في كوريا الشمالية، وأن يوافق على إعادة تأهيل بشار الأسد. والمحتجون على طغيان بشار الأسد هم الذين يُعاقَبون اليوم، بالتوافق على بقاء بشار يحكمهم بالحديد والنار.
هذا العالم الذي يتعايش مع القاتل، ويجبر الضحية على الركوع أمامه، هو عالمٌ أقل ما يقال إنه يتصف بالسفالة، لا أخلاقي، يحتاج إلى تغيير جذري. من دون ذلك، يُشرعن هذا العالم الظلم، ويجعل وجه العالم قاتما، وغير إنساني.
* سمير الزبن كاتب وروائي وباحث فلسطيني.
المصدر: العربي الجديد