“مصر: سلطة العقل والتاريخ والتراث والموروث”
صدر كتاب جديد للكاتب والناقد والمفكر الأستاذ أحمد عزت سليم بالإضافة إلى قائمة كتبه المتميزة الحرب السيبرانية، تفكيك الوهم، مملكة داود وسليمان العبرية أوهام لا نهاية لها …وكتاب “مصر: سلطة العقل والتاريخ والتراث والموروث” أحدث إصدارات مركز الحضارة العربية.
ومن ماهية المجتمع المصرى بعمقها التاريخى يقدم الكاتب من خلال المنهج العلمى البحثى الموضوعى إبداعية الممارسة الاجتماعية المصرية الابتكارية والمتجددة واستمراريتها فى مواجهة تصاعد فاعليات السلطة من أجل استلاب مقدرة المواطن المصرى والسيطرة عليه عبر العصور وبقوة مقدرة هذه الممارسة الإبداعية على التواصل والمواصلة واستمرارية الوجود والبقاء والحياة استطاع المصرى عبر تاريخه المقاوم أن يحافظ على وجوده وخصوصيته.
وفى إطار ذلك تناول الكاتب ماهية ديناميات العقلية المصرية وصيرورة الإرادة المصرية التاريخية و الوحدة الوطنية المصرية و ماهية ديناميات التراث المصرى و الموروث الشعبى المصرى وماهية خصوصيات الثقافة الشعبية وماهية تغييرات وحراك القيم المصرية والمكونات الرئيسية للتراث المصرى والأدب الشعبى.
اقرأ/ي أيضا: متى يبعد عن عروبتنا الإستبداد ويختفى!
وقدم الكاتب دراسات الحالة التى تعبر العقلية المعرفية المصرية مثل الأسماء المصرية الشعبية كتعبير عن العقلية المعرفية المصرية و الأكلات المصرية والمشروبات والتحابيش والمسليات الشعبيبة كتعبير عن العقلية المعرفية المصرية وممارساتها و أشهر المناسبات والاحتفالات الشعبية.
ومن خلالها يقدم الكاتب كيف استطاع المصرى أن يكون أيديولوجيته الخاصة التى حافظت على إيماناته العقائدية المقدسة وفاعلياته فى الواقع المتطور وجمعت بينهما وبحيث تتيح له الوجود والحضور فى العالم بخصوصيته الاجتماعية والثقافية والتاريخية والجماعية ومتجاوزة أية محاولات لتفتيتها وتفكيكها والانغلاق على النص المقدس والماضوية، ويبين كيف أن الشعب المصرى امتلك الحق فى أن يثور عندما يزداد قهر السلطة -وبكل تنوعاتها ومراحلها التاريخية-، وعندما لايجد قوت يومه ولا يستطيع أن يعيش كما ينبغي له أن يكون.
اقرأ/ي أيضا: الحرب السيبرانية.. “الماهية والفاعليات”
وبين الكاتب كيف أن المجتمع المصرى لم يسمح فى أغلب عصوره التاريخية ومع تطورات الديانة القديمة، للطائفية أن تقسم وحدته التاريخية ولم يجد أى حزب طائفى مكانا له على الساحة المصرية، واتحد وتوحد كل المصريين على الوحدة والألفة والمحبة وتوارثوا ذلك عبر أجيال ممتدة تاريخيا ويتعايشون فى معيشة واحدة الجار للجار فى أفراحه وشدته فيقصد بعضهم بعضا ويشد أزره فى مهماته.
وكتب الإمام محمد عبده عن شعار “مصر للمصريين” الذى انبثقت عنه الثورة العرابية: “إن الدين الإسلامى الحقيقى ليس عدو الألفة، ولا حربا على المحبة، ولا يحرم المسلمين من الانتفاع بعمل من يشاركونه فى المصلحة، وإن اختلفوا عنهم فى الدين، ويقول إن العارف بحقيقة الإسلام يكون أبعد عن التعصب الجاهلى، وأقرب إلى الألفة من أبناء الملل المختلفة. وإن القرآن منبع الدين يقارب بين المسلمين أهل الكتاب، ولكن أعداء الدين أفسدوا قلوب أهاليه، ولا قلوب أقرب إلى الإصلاح من قلوب أهل مصر”.
ولتظل الوحدة الوطنية المصرية من الأسس والمقومات الرئيسي للحياة المصرية منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، حيث أقام المصريون -رغم تعدد معتقداتهم- أول دولة مركزية وأمة واحدة موحدة فى التاريخ الإنسانى على يد الملك (مينا) عام 3200 ق.م. وكان قبول واحترام الآخر -المختلف دينياً- ركيزة الوحدة بين الصعيد والدلتا وهو المعروف تاريخياً باسم “وحدة القطرين” أو “وحدة الأرضين”.
اقرأ/ي أيضا: حقيقة الكيان الصهيونى وفكره العنصرى
وكيف أن المجتمع المصرى جسد فى تكوينه وفئاته فى عاداته وتقاليده وأعرافه وقيمه ، وفى اعياده ومناسباته فى طعامه وملبسه .. خلاصة لمجموعة من التجارب التاريخية التى مر بها شعب مصر عبر الاف السنين . وتفاعل خلالها مع غيره من الحضارات والامم أثر فيها وتأثر بها .. ولكنه ظل فى كل الأحوال محتفظاً بسماته وخصائصه وبمظاهر حياته المادية والاجتماعية والثقافية.
كما يعكس المجتمع المصرى أيضاً منظومة القيم والاعراف التى استمدها من الديانات السماوية التى يؤمن بها ومصر المكونات الفكرية والثقافية التى ترسخت فى وجدانه عن العصور، وكيف مثل الموروث المصرى الشعبى الحى استمرارية العلاقة الدينامية بين المواطن المصرى والأرض والمجتمع والبيئة والتاريخ والدين والأساطير عبر تعاقب إبداع الأجيال المصرية فى مواجهة فاعليات الحياة المصرية وممارساتها وتطوراتها وبدرجاتها المتنوعة رأسيا وأفقيا، ليعبر عن وعى المصرى الذى يمثل البنية العقلية المعرفية للشخصية المصرية فى الريف والحضر و بمستوياتها المركبة والمتنوعة وإيماناتها.
ومن خلال ديناميات هذه العلاقة يحول المصرى خبرته التراثية إلى ديناميات حياته الحاضرة ليحافظ على خصوصيته الوطنية واستمرارية إيماناته ونقل خبراته إلى الأجيال الجديدة لتضيف إليها وليضيف إليها الواقع بتغيراته المستجدة ولتشكل ماهية الشخصية المصرية والتى تتحدى الزمن مهما كان الطغاة والغزاة فمازال المصرى -على سبيل المثال- يحتفل بالسبوع وشم النسيم ومنذ العهود الفرعونية، ومازال المصرى مقاوما ومحتفظا بخصوصيته مهما كانت الدعاية المضادة لوجوده ولخصوصيته المقاومة.
اقرأ/ي أيضا: المرأة المصرية نموذجا للمقاومة العربية
تؤكد الحقيقة التاريخية المصرية أنه مهما كان الطغاة وأعوانهم وممثليهم والمستعمرين وعملائهم فقد ظل المصرى بوعيه وخصوصيته محافظا على وجوده ووحدته ومقاومته للانهيار والهزيمة ومحافظا على تجانسه وانسجامه المجتمعى وهذا ما أثبتته الثورات المصرية الشعبية ضد القمع والقهر السلطوى وضد الطغاة ومقاومة المحتل على مدار عصوره التاريخية.
والتى كانت تعبيرا عن رفض تقديس الحاكم وهيمنة التسلط والعقائد العنصرية التى تؤله الحاكم والفرد والسلطان والطاعة المطلقة وحتى ثوراته الشعبية الأخيرة وعلى مر تاريخه العميق الممتد لم يتسم المجتمع المصرى بالجمود والتعصب والانغلاق الشامل والتكفيرية الطاردة للآخر ولم تحكمه هذه السلطة وكما لم تكن ديناميات موروثة وبيولوجية.
فلم تنغلق العقلية المصرية وتستبد بها هذه السلطة، ولم يتعامل بقوة الجسد والفكر فى حياته الاجتماعية بتنوعها الرأسى والأفقى، ولم يصيب المجتمع فى شموليته أمراض هذه السلطة واستطاع أن يحجم هذه السلطة طوال تاريخه من خلال قدرته على استيعاب تغيرات مجتمعه والتلاؤم مع المعطيات المستجدة كما استطاعت العقلية المصرية أن تبقى الوجود الإنسانى المصرى فى مواجهة هذا الممارسات والتغلب على هيمنة أطر التقليد والانغلاق بكافة تنوعاتها.
وتمييزت بسلوكياتها العميقة والممتدة فى اللاوعى الاجتماعى والجمعى أن تحافظ من خلال قدرتها الإبداعية فى مواجهة القمع والقهر والتسلط، وشكل التفاعل الفردى والجماعى والتفاعلى الدينامى بينهما سلطة الفرد والجماعة والمجتمع وانخلقت منه وبما يشكل الحياة اليومية والمستقبلية مكونة خصوصية حركته وحركيته التاريخية المصرية وبما حافظ على وحدته التاريخية رافضا بوعيه وبخصوصيته التاريخية التفكيك والتفتيت والتناثر والتشظى والتصدع والانشقاق والصراع الطبقى والعنصرية والطائفية، ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب حيث يقدم بدراسة منهجية موضوعية آليات وماهية الشخصية المصرية والتى تتحدى الزمن مهما كان الطغاة والغزاة
عذراً التعليقات مغلقة