أجمع المتشاورون على تعز نموذجاً للحل الجزئي الذي يستبق الحل الشامل.
ربما لن يبالي اليمنيون كثيرًا بالمفاوضات المقبلة لأنهم يعرفون بشاعة المتحاربين!
عكست طروحات الجنوبيين خلافات بشأن الجنوب و مثلت الطروحات أجندات إماراتية وسعودية.
بقلم: بشرى المقطري
عقدت في أغسطس/ آب الحالي، في إطار تحضير الأمم المتحدة لمفاوضات “جنيف 3” بين أطراف الصراع اليمنية، مشاورات ثنائية في ضواحي لندن، بين شخصيات يمنية، تمثل مكونات سياسية ومدنية مختلفة، ومستقلين، وبين المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث.
الهدف، حسب تصريح الأخير، الخروج بمقترحات جديدة وحلول عملية توضع لاحقاً أمام المتفاوضين اليمنيين في جنيف.
بعيداً عن مدى جدّية هذه اللقاءات، وجدواها، والتقييم السلبي لها من بعض النخب اليمنية بأنها هدر للوقت والأموال التي ستستقطع من مخصصات المساعدات الإنسانية لليمنيين، فإن المهم هنا، هو ما عكسته زاوية نظر المتشاورين حيال جذر المشكلة اليمنية، بعد سنوات من الحرب، وانسداد الأفق السياسي، إضافة إلى القضايا الشائكة التي طرحها اللقاء التشاوري.
فقد عكست تعقيد بنية الحرب في اليمن، وكذلك المدى الذي وصلت إليه العربية السعودية، قائدة التحالف العربي، والإمارات، الدولة الثانية في التحالف، في توظيفهما وكلاءهما المحليين، لفرض صيغة واحدية للحل السياسي، تُقصي الأطراف الأخرى، بمن فيها حلفاؤهم.
كما يمكن، من خلال سياق القضايا المطروحة، إدراك العثرات التي قد تقوّض مفاوضات “جنيف” المقبلة، أو تفتح أبواباً مواربة للحل.
حدّد المبعوث الأممي للمتشاورين المرجعيات الأممية أساسا لأي اقتراح أو حلول عملية ستطرح في مفاوضات جنيف، بحيث يتزامن الحل السياسي والعسكري، إلا أن القنوات الإعلامية لأطراف الصراع وحلفائهم سرّبت أن هدف اللقاء تقويض الشرعية اليمنية، لشيطنة أي اجتماع يمني- يمني، خارج الاصطفافات الإقليمية.
وهو ما دفع بالسعودية، وبشكل مفاجئ، إلى إعلان انعقاد لقاء سياسي يمني في الرياض في 13 أغسطس/ آب الحالي، استباقاً لأي خلخله سياسية أحدثتها مشاورات لندن.
وفي حين طرح نقاش المتشاورين جملة من القضايا اليمنية، فإن ما أكده هذا اللقاء أن من المبكر بلورة صوت سياسي يمني، يمثل قوى ثالثة في ظل حدّة الاستقطابات السياسية المحلية والإقليمية.
فلم تكن الشخصيات المشاركة في اللقاء بعيدةً عن التمثيل السياسي للمتصارعين اليمنيين، سواء الأطراف الرئيسية منها أو الثانوية، فيما غلبت على المكوّن السياسي الواحد خلافات في وجهات النظر.
تبدّت إشكالية المؤسسة الرئاسية، ممثلة بالرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، عنوانا عريضا للمشاورات، إذ تم التطرق لاختلالاتها الحالية، بما في ذلك مستقبلها السياسي في حال فشلت مفاوضات جنيف المقبلة.
فقد ظلت المؤسسة الرئاسية محورا للخلاف في معظم المفاوضات السياسية، بين جماعة الحوثي التي تصرّ على إزاحة الرئيس هادي مدخلا لأي حل سياسي والسلطة الشرعية، إلا أن اللافت في مشاورات لندن هو شبه اتفاق المتشاورين على خلل السلطة الشرعية، وأن المؤسسة الرئاسية جزء من هذا الخلل، وليس محور المشكلة وحدها.
حرص الفريق الأول، والذي تزعمته شخصيات سياسية تمثل السلطة الشرعية، على بقاء الرئيس هادي، باعتباره رمزاً للشرعية الدستورية أكثر منه وسيلة للحل وإنقاذ اليمن، وطرح هذا الفريق ضرورة إصلاح السلطة الشرعية، وتقويم اختلالات المؤسسة الرئاسية اليمنية.
أما الفريق الثاني، الذي تزعّمته قيادات جنوبية كانت جزءا من السلطة الشرعية في بداية الحرب، وسياسيين منتمين لحزب المؤتمر الشعبي العام، حرص على بقاء السلطة الشرعية، مع إزاحة الرئيس هادي، باعتباره جوهر الخلاف، والإصرار على اتخاذ خطواتٍ على الأرض، في حال فشلت مفاوضات جنيف.
في حين حرص الفريق الثالث الذي تزّعمته قيادات جنوبية تنتمي للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، على أن طي صفحة الرئيس هادي ضرورة حتمية لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية، وإنهاء الحرب.
فرضت تطورات الأحداث السياسية والعسكرية في جنوب اليمن المسألة الجنوبية في مشاورات لندن. وأظهر التمثيل العالي للمجلس الانتقالي الجنوبي دلالة سياسية على نجاح الدبلوماسية الإماراتية في فرض المجلس الانتقالي على المجتمع الدولي.
لكن غلبة الصوت السياسي للمجلس الإنتقالي على حساب القوى الجنوبية الأخرى لم يشكل سوى تعقيد إضافي للقضية الجنوبية، إذ عكست طروحات الجنوبيين خلافاتٍ حادّة بشأن آلية حل القضية الجنوبية، كما أكدت تمثيل هذه الطروحات أجندات إماراتية أو سعودية، أكثر من كونها تمثيلا للمصالح الوطنية للجنوبيين.
تمترس ممثلو المجلس الانتقالي حول أن حل القضية الجنوبية يبدأ من إسقاط الرئيس هادي، منطلقا لاستعادة دولتهم في جنوب اليمن، مدافعين عن الأجندة الإماراتية، في مقابل تحميل السعودية المسئولية الكاملة في تمويل الجماعات والأحزاب المتشدّدة في جنوب اليمن.
وحصر مكون جنوبي آخر المشكل الجنوبي، بما فيها الحرب الحالية، بالصراع السياسي بين الشمال والجنوب الذي يبدأ من حرب صيف 1994، في حين رأت أقلية جنوبية أن من الممكن إيجاد حل للقضية الجنوبية في إطار السلطة الشرعية، في حال تم تغيير الصورة.
رغم انقسام آراء المتشاورين ووجهات نظرهم حيال القضايا الجوهرية المطروحة، كان اللافت حالة الإجماع بأن تكون مدينة تعز منطلقاً للحل السياسي، فخلافاً لمبادرة المبعوث الأممي أن تكون مدينة الحديدة مدخلاً للتفاوض.
فقد أجمع المتشاورون على إمكانية أن تكون تعز نموذجاً للحل الجزئي الذي يستبق الحل الشامل، بتطبيق المرجعية الأممية، أي تسليم مليشيات الحوثي أسلحتها وانسحابها من مدينة تعز، إضافة إلى توصيات إنسانية وعسكرية، كرفع الحصار عن المدينة، وتسليم أسلحة الفصائل المتقاتلة، وتجريم دول الإقليم التي تمد المتصارعين بالأسلحة.
وفي حين يعتقد بعضهم أن جماعة الحوثي ربما تقبل هذا الحل، في مقابل تجنيب مدينة الحديدة تبعات الإشراف الأممي، المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية بالنسبة للجماعة.
لكن ما يعيق هذا الحل هو رفض السعودية، وكذلك الإمارات، فعدا كونها جبهة مثالية لاستنزاف خصومها وحلفائها، لا تمثّل مدينة تعز أي أهمية بالنسبة لهما في سياق مغانم موارد اليمن، فضلاً عن الأحزاب السياسية، وكذلك الفصائل المسلحة التي ستعرقل أي حلٍّ ينطلق من تعز، لأن ذلك، في النهاية، يعني تحجيمها.
لم يعرف معظم اليمنيين أنه في الضواحي “ويلتون بارك” الغائمة نوقش مستقبل بلادهم، بروفة في الطريق إلى “جنيف 3” المزمع انعقادها في سبتمبر/ أيلول المقبل.
لكن اليمنيين ربما لن يبالوا كثيرا بالمفاوضات المقبلة، لأنهم يعرفون بشاعة المتحاربين، كما يعرفون موسم الأمطار في جبالهم القاحلة، لكنهم مع ذلك سيتمسّكون بأمل ضئيل، بأن يأتي غريفيت بما لم يستطعه الأوائل.
* بشرى المقطري كاتبة وناشطة يمنية
المصدر: العربي الجديد