مرسوم العفو الجديد ولعبة الأسد المكشوفة
المرسوم الجديد لن يلقى مصيراً مختلفاً عن مراسيم زائفة، فاللعبة مكشوفة ولن تخدع الوعي الشعبي أو تجمل صورة النظام.
* * *
أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 18، الذي تضمن العفو العام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 9/10/2018، في شأن الفارين من الخدمة العسكرية أو الهاربين من التجنيد استناداً إلى قانون العقوبات العسكري.
وشمل العفو إلغاء كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والفرار الخارجي، واستثنى «المتوارين عن الأنظار والفارين من وجه العدالة إلا إذا سلموا أنفسهم خلال أربعة أشهر بالنسبة للفرار الداخلي وستة أشهر بالنسبة للفرار الخارجي» من تاريخ صدور المرسوم.
يُلاحظ أن هذا ليس العفو العام الأول من نوعه الذي يصدره الأسد في أعقاب تزايد الانشقاقات أو الفرار من الخدمة منذ أن تدخل جيش النظام في قمع تظاهرات الاحتجاج الشعبية التي عمت المدن السورية في ربيع 2011.
ففي تموز/ يوليو 2015 أصدر الأسد مرسوماً مماثلاً برقم 32 يتضمن العفو عن الجرائم المرتكبة قبل 25/7/2015، وفي صيف 2014 أصدر المرسوم التشريعي رقم 22 الذي تضمن العفو عن الجرائم المرتكبة قبل 9/6/2014 وبينها الفرار الداخلي والخارجي.
وهذه المراسيم المتعاقبة تدل من جانب أول على حاجة النظام الملحة إلى استعادة بعض ما فقده من أعداد على مستوى الأفراد، نتيجة انشقاق العسكريين احتجاجاً على سياسات النظام العنفية ضد المتظاهرين وإصدار الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المدنيين.
كما تدل من جانب آخر على فشل تلك المراسيم في وقف النزيف الحاد الذي ما يزال النظام يعاني منه في صفوف ما تبقى له من قوات عاملة موالية أو وحدات معتمدة على التجنيد الإجباري والاحتياط.
يلاحظ ثانياً أن تكرار هذه المراسيم يبرهن على وجود أزمة ثقة بين النظام من جهة، والعسكريين المنشقين أو الفارين من جهة ثانية. وهي أزمة ناجمة أساساً عن التاريخ الدامي الذي عُرفت به أجهزة النظام، والمعطيات الرهيبة عن آلاف المعتقلين الذي اعترف النظام ذاته بمقتلهم داخل سجونه ومعتقلاته. هذا إلى جانب يقين الغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري بأن القوانين في البلاد شيء مختلف تماماً عن طرائق تطبيقها، وأن النظام يضرب بعرض الحائط المراسيم التشريعية ذاتها التي يصدرها بين الحين والآخر.
ومن المعروف، ثالثاً، أن النظام يحاول تبييض صفحته في المرحلة الراهنة، إما انحناء أمام ضغوط روسية تطالبه بتحسين صورته في ناظر العالم الخارجي وكسب ما أمكن من ثقة في أهلية النظام لإدارة عمليات إعادة الإعمار المقبلة، أو خوفاً من احتمالات اقتياد بعض رموز النظام إلى محاكم جنائية دولية على خلفية انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب.
ذلك لأن الحد الأدنى من مصداقية أي عفو عام إنما يبدأ من تطبيقه على سجناء الرأي ونشطاء المجتمع المدني والمعارضين السلميين، وعلى تقديم ضمانات قانونية واضحة وملموسة تكفل عدم تكرار الاعتقال بعد إصدار العفو.
ولأن السوريين خبروا مراسيم العفو السابقة، وأنها لم تشمل عملياً إلا جرائم الحق العام من جرائم قتل ومخدرات وتهريب، فإن المرسوم الجديد لن يلقى مصيراً مختلفاً عن سواه من مراسيم زائفة، فاللعبة باتت مكشوفة ولن تخدع الوعي الشعبي أو تجمل صورة النظام.
المصدر: القدس العربي