نصف مليون نازح من مدينة الموصل بسبب الحرب الدائرة فيها، هو العدد الذي أعلنته وزارة الهجرة والمهجرين العراقية على لسان وزيرها جاسم محمد الجاف. فالمدنيون العالقون
بين نيران مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية والقوات العراقية التي تظللها طائرات التحالف الدولي لا يملون البحث عن ممر آمن أو حتى شبه آمن يقودهم للخروج من دائرة الحرب والنجاة، لينضموا إلى مئات الآلاف من النازحين في مخيمات النزوح جنوب وشرق وشمال مدينة الموصل.
ويقدر عدد هؤلاء المدنيين بمئات الآلاف، ويتركز وجودهم داخل البلدة القديمة المؤلفة من أحياء صغيرة ذات كثافة سكانية عالية، والتي تحيط بالجامع النوري الكبير، وهو المسجد الأشهر في المدينة، حيث تنتصب منارته الحدباء وسطه، حتى أن مدينة الموصل تكنى بالحدباء تيمنا بمنارة هذا المسجد.
وكان زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي اعتلى يوما منبر هذا المسجد ليعلن من فوقه قيام دولة خلافته الإسلامية.
ويقول شهود عيان نزحوا من الموصل ووصلوا إلى مخيمات الخازر (شرق المدينة) إن آلاف العائلات لا تجد طعاما تسد به رمقها وهي محاصرة داخل سراديب وأقبية منازلها، خوفا من تعرضها للقصف من كل اتجاه.
مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية المنتشرون داخل هذه الأحياء يخوضون حرب شوارع شرسة ومباغتة مع القوات العراقية التي تجد صعوبة في اقتحامها بسبب ضيق الممرات وتشعب الأزقة وتداخل الأحياء والمباني، مما جعلها متسمرة على عتبة البلدة القديمة منذ أسابيع.
محاولات فاشلة
وجربت القوات العراقية الالتفاف حول الجانب الغربي من المدينة عبر الوصول إلى حي الشفاء، ومن ثم إلى ضفة نهر دجلة من جهة الجسر الثالث للمدينة، لكنها فشلت حتى الآن في مسعاها.
وإزاء هذا الوضع، قال رئيس أركان الجيش العراقي عثمان الغانمي إن قواته تدرس تعديل خطتها القتالية بما يؤمن لها حسم المعركة لصالحها في أسرع وقت.
وسبق لتلك القوات أن جربت حسم المعركة من الجو بمساندة طائرات التحالف الدولي، لكن محاولتها تلك انتهت بكارثة إنسانية أودت بحياة المئات من السكان تحت أنقاض منازلهم، خاصة في حي الموصل الجديدة.
ولا يكاد القصف الجوي يتوقف حتى يبدأ مجددا، ومدافع القوات العراقية وقذائف تنظيم الدولة لا ينقطع دويها، مما يفاقم عدد الضحايا المدنيين الذين يسقطون بين قتيل وجريح، والمحظوظ منهم يصل إلى مستشفيات أربيل التي تعج بالجرحى ولا ترقى إمكانياتها إلى المستوى المطلوب.
ومن لا يجد إلى المستشفيات سبيلا فإنه يقضي نحبه تحت أنقاض مدينته المدمرة. ويقول جرحى -التقتهم الجزيرة في مستشفيات أربيل- إن القوة المفرطة التي تستخدمها طائرات التحالف الدولي والقوات العراقية لا تتناسب مع حجم وعدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داخل المدينة، حتى أن عددا منهم يشككون في نوايا القوات العراقية، ويتهمونها بتعمد تدمير مدينتهم.
أما الحاجز الترابي الذي يفصل بين مناطق نفوذ قوات البشمركة الكردية والقوات العراقية في حي برطلة (شرق الموصل) فلا يزال يشكل محطة لآلاف النازحين الهاربين من أتون الحرب في الموصل.
ولكل من هؤلاء حكاية، ومعظمهم عاش أياما قاسية من الحصار والتخفي والتسلل إلى خلف خطوط القوات العراقية، ليبدأ رحلة أشد قسوة لكي يصل إلى مخيمات أقل ما يقال عنها إنها غير إنسانية، حيث لا كهرباء ولا مياه كافية والخدمات الطبية فيها سيئة، والمساعدات الغذائية نادرة، وحليب الأطفال مفقود، والحركة مقيدة، بل إن حمل الهاتف الجوال في بعضها ممنوع.
الجزيرة