«مدنية الدولة» صارت واجباً ولم تعُد خياراً
- اعتاد النظام والجيش فرض السلطة دون اعتبار للمدنيين أو احتكام للدستور والقوانين.
- اعتاد الشعب على أن أي نظام عسكري يعني طمس حقوقه والإمعان في قمعه وكتم صوته وبثّ الفرقة بين فئاته!
- تتمحور المصطلحات والشعارات حول: «تغيير النظام» في الجزائر، و«تسليم السلطة إلى المدنيين» في السودان
- المصالحة مستحيلة بين الفساد والنزاهة ومهما طال الزمن تؤول أحوال النظام للتعفن ويؤدي التمادي في تجاهل حقوق الشعب للاحتقان فالتفجر.
- يعيش الحراك الشعبي لحظته التاريخية التي ينبغي أن تنجز لتشكل فارقاً مستقبلياً باتفاق طرفي الصراع على تحديد الهدف ومواصلة العمل تشاركيًا.
* * *
بقلم: عبدالوهاب بدرخان
ليست هناك وصفات جاهزة لتغيير الأنظمة، خصوصاً عندما تمكث هذه الأنظمة طويلاً معتمدة على حاكم فرد، معتمد بدوره على مجموعة يحكم من خلالها، ولا تلبث أن تحكم باسمه!
عندئذ تصبح الدولة والمؤسسات – بما فيها الجيش والأمن- رهن مصالح هؤلاء جميعاً، وفي هذه الحال سيُوجّه أي «تطوير» أو تفكير في تطوير النظام لتعزيز تلك المصالح، وليس لاحترام الشعب وحقوقه وحرياته سعياً إلى إعلاء شأن العدل والمواطنة والمشاركة.
فالاتجاهان متناقضان حتماً، ولم يسبق أن استطاع أحد إثبات العكس بجمعهما تحت سقف واحد، فالمصالحة مستحيلة بين الفساد والنزاهة، لذلك، مهما طال الزمن، تؤول أحوال النظام إلى التعفن، ويؤدي التمادي في تجاهل حقوق الشعب إلى الاحتقان فالتفجر، هذه قاعدة طبيعية يمكن التحايل عليها بعض الوقت، ولا يمكن تغييرها مهما بلغت الشدة في كيّ الوعي.
تلك هي المسألة موضع النقاش والمخاض في السودان والجزائر، ولعلها كذلك في بلدان عدة، وإن لم يكن هناك ضغط من الشارع، تختلف المصطلحات والشعارات لكنها تتمحور حول أمر واحد: «تغيير النظام» في الجزائر، و«تسليم السلطة إلى المدنيين» في السودان، «التغيير» تعبير مخفف لـ«الإسقاط»:
أولاً لاستبعاد الاستفزاز والانزلاق إلى العنف، وثانياً لإتاحة التحول التدريجي، وثالثاً لتجنب الفوضى، أما «التسليم» فيعني أن المدنيين كانوا تجاوزوا باكراً السقوط الحتمي للنظام، وانتقلوا فوراً إلى طرح البدائل، في الحالين كان هناك نضج واستيعاب لدروس سوريا وليبيا واليمن -التزام السلمية- فضلاً عن دروس مصر- ترجيح مسار تشاركي بين الجيش والمدنيين.
وقد انطوى تعايش السلطة/العسكر مع الحراك الشعبي- ولو على مضض- على إدراك عام بأن ثمة مرحلة انتهت وبانت نتائجها ولم تعد أدواتها صالحة للاستمرار، بل مسّت الحاجة إلى التغيير، لكن كيف؟
حتى عندما تتوفر الإرادة كلياً أو جزئياً بين طرفي الصراع، النظام/الجيش وقوى المعارضة، لا يسهل نقل السلطة بسلاسة أو بسرعة، فمدنية الدولة أصبحت واجباً وليست مجرد خيار، وإذ تتعقد عملية الانتقال فلأن الطرفين ملزمان بمعالجة أمراض مزمنة أصابتهما، وتحول دون تأهيلهما لإنتاج حلول مبتكرة.
قد تتشابه الحالات في عناوينها، لكن لكل بلد حاله الخاصة، ولكل شعب معاناته التي قد يعرفها الخارج سطحياً، أو عرفها وفقاً للصورة التي صنعها النظام السابق، إلا أنه يبقى عاجزاً عن ربط الواقع بالأبعاد التاريخية والاجتماعية.
لذلك فإن التدخلات الخارجية غالباً ما تكون مفسدة وغير مساعدة، ولعل أفضل رد عليها يكون بالتزام أن تكون الحلول داخلية، وأن تأخذ بالمصلحة الوطنية.
سواء في السودان أو في الجزائر، يعتبر الحراك الشعبي أنه يعيش لحظته التاريخية التي ينبغي أن تنجز لتشكل فارقاً مستقبلياً، وهذا ممكن فقط باتفاق طرفي الصراع على تحديد الهدف ومواصلة العمل في إطار تشاركي، لأن المهمة تتطلب تغييراً في العقلية المكتسبة طوال عقود سابقة:
فالنظام/الجيش اعتاد فرض السلطة من دون اعتبار للمدنيين، أو احتكام للدستور والقوانين، فيما اعتاد الشعب على أن أي نظام معسكر يعني عملياً طمس حقوقه والإمعان في قمعه وكتم صوته وبثّ الفرقة بين فئاته!
كلا الطرفين ورث جدراناً راسخة من الإهمال والفساد والعشوائية والفشل لا بد من إزالتها، وليس لـ«حسن النيّة» أي دور أو فاعلية بل لالتزام أي عقد يتفق عليه لئلا تكون شرعية احتكار العنف وسيلة الجيش للاستيلاء على الحكم، ولئلا تهدّد شرعية الشعب بالإسقاط بقوة السلاح.
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني
المصدر | العرب – الدوحة
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة