مدارس سوريا لا تشبه مدارس البلدان الأخرى، لا أصوات ضحكات الأطفال تملؤها ولا صوت مدرس أو مدرسة تصرخ بالطلاب لينتظموا في الصفوف. مدارس سوريا تحولت مهمتها من تعليم الأولاد إلى ملاجئ للنازحين والهاربين من قصف قوات النظام، وإن كان هؤلاء مجبرين على اللجوء إلى أي مكان يحمل سقفاً يقيهم الشمس وذل السؤال، فإن اقتراب الموسم التعليمي الجديد وضع الجميع أمام معضلة: “أين سيذهب كل أولئك النازحين، ولا توجد منظمة إنسانية تستطيع أن تعتني بهم أو أن تؤمن لهم مكاناً للمبيت”.
مدن سوريا كلها تعيش الأزمة ذاتها، وتختلف درجات الأزمة ولكنها لا تغيب، وفي دمشق تم تحويل معظم المدارس، إن لم نقل كلها، إلى أماكن لإيواء النازحين، وتطوع الكثير من الشباب السوري لإغاثة العوائل التي اضطرت للإقامة في المدارس، وتأمين مستلزماتهم من طعام ودواء على أقل تقدير.
وبدء الموسم التعليمي الجديد يعني طرد من بقي حياً رغم القصف، وجعل الشارع الملجأ الوحيد لهم، ليعود بعض الطلاب ممن لا يزالون في بيوتهم.
الإعلام الرسمي مشترك بالجريمة:
ليس غريباً على الإعلام الرسمي تبني وجهة نظر النظام، ولكنه يبدو مستفزاً وبعيداً عن المنطق الإنساني، إذ إن ذلك الإعلام تناول موضوع الموسم الجديد للمدارس بطريقة ظالمة من أجل تحقيق هدف النظام ألا وهو محاولة إعادة الأمور الى ما هي عليه قبل الثورة، وكأنه يتكلم عن قارة أخرى بعيدة ولا تمت بصلة لما يحدث في سوريا، فعنونت جريدة “تشرين” الرسمية: “أهالي التلاميذ حائرون بين تأمين المستلزمات وأسعارها”، وكأن أهل المشرّدين ليسوا من السوريين أيضاً وهمهم أكبر من تكاليف اللباس والأقلام، وربما كان من الأجدى أن تقول مثلاً إن التلاميذ قتلوا في مجازر، وآخرين نزحوا من مدنهم، وما تبقى منهم ينتظر فرج الله.
وكتبت جريدة “بلدنا” الخاصة والقريبة من النظام: “بدلة الطالب بـ3500 ليرة! اللوازم المدرسية.. على خشبة الارتفاعات الجنونية”، وبغض النظر هنا عن أن المبلغ المذكور مرتفع بالفعل ويمثل مشكلة للأهل، إلا أنه يبدو مضحكاً جداً أن يتم التركيز على ثمن بدلة الطالب، بينما معظم طلاب سوريا تحت تهديد الموت قصفاً وحرقاً وذبحاً.. هذا ليس إلا انحياز لإعلام مشارك في التغطية على الجريمة.. بل هو مشارك بها، على حد رأي معظم السوريين.
مئات من العائلات:
وضمّت بعض المدارس أكثر من 100 عائلة في وقت واحد، مثل مدرسة عدرا العمالية في ضاحية عدرا في دمشق، وتجندت بقية المدارس في كل دمشق لذات الهدف، وانتشرت صفحات “فيسبوكية” لوضع أسماء المدارس التي تستقبل النازحين وعناوينها والمواد الضرورية والمطلوب تأمينها.
إذاً مدارس سوريا ستفتح أبوابها قريباً، وأطفال سيدخلونها ليُخرجوا غيرهم، وما من حل يبدو في الأفق إلا أن يرفع أولئك المطرودون من المدرسة كملجأ أيديهم إلى الله هاتفين بجملة الثورة السورية المشهورة: “يا الله ما لنا غيرك يا الله”.