مخطط أسرلة القدس الشرقية
- الخطة تستهدف التأثير على الوعي الجمعي للمقدسيين ودفعهم للتعاون مع مشاريع استكمال تهويد المدينة أو تثبيط دوافعهم لمقاومتها.
- عمليات المقاومة الفردية في القدس مست بدافعية المستوطنين للانتقال للمدينة رغم المغريات الكبيرة التي تقدم لهم.
بقلم: صالح النعامي
بخلاف ما عكفت عليه منذ العام 1967، عمدت الحكومة الإسرائيلية لأول مرة إلى استخدام «الجزرة» في محاولاتها توفير بيئة تسهم في تحسين قدرتها على حسم مصير القدس وضمان تهويدها، من خلال تقديم مغريات اقتصادية للمواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية.
فقد أقرت الحكومة مؤخرا خطة، زعمت أنها ترمي إلى «تقليص الفروق الاقتصادية والاجتماعية» بين الفلسطينيين في القدس الشرقية والمستوطنين اليهود في بقية أرجاء المدينة المحتلة.
وقد تضمنت الخطة مشاريع لتحسين الواقع الاقتصادي في القدس الشرقية وتقليص مظاهر مشكلة السكن الناجمة عن رفض سلطات الاحتلال منح تراخيص لبناء المنازل وتحسين واقع البنى التحتية في المدينة، والعمل على دمج المقدسيين في سوق العمل الإسرائيلي.
لكن عند التدقيق في بنود الخطة يتبين بشكل واضح أنها تهدف إلى التأثير على الوعي الجمعي للمقدسيين ودفعهم للتعاون مع المشاريع الهادفة لاستكمال تهويد المدينة أو على الأقل المس بدافعيتهم لمقاومتها.
ولعل أخطر ما تضمنته الخطة يتمثل في نصها على إحداث تحول على مضامين مناهج التعليم في القدس الشرقية بهدف التأثير على الوعي الوطني للنشء الفلسطيني في المدينة المحتلة ومحاولة أسرلته.
ورغم أن إسرائيل قد شرعت منذ العام 2000 بفرض رقابة على مناهج التعليم في القدس الشرقية، بحيث يتم غربلة هذه المناهج وحذف كل إشارة إلى فلسطين وشطب أي مادة تتعرض لإسرائيل بشكل سلبي.
إلا أن إشارة الخطة الجديدة إلى إزالة الفروق بين المقدسيين والمستوطنين، تحمل في طياتها إمكانية توحيد مناهج التعليم في شطري المدينة المحتلة بهدف أسرلة وعي الطلاب النشء الفلسطيني.
إلى جانب ذلك، فإن العمل على تحسين الواقع الاقتصادي في القدس الشرقية ينطلق من افتراض مفاده أن إحداث تحول على الواقع المعيشي والاجتماعي سيمس بدافعية المقدسيين للانخراط في العمل المقاوم ضد الاحتلال، بجانب تراجع مستوى ممانعتهم لسياسات التهويد واقناعهم بعدم التعرض لحملات تدنيس المسجد الأقصى التي ينفذها المستوطنون اليهود، والتي تعاظمت بشكل درامتيكي منذ عام.
وحسب وجهة نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فإن المس بدوافع المقدسيين للانخراط في العمل المقاوم ضد الاحتلال يكتسب أهمية كبيرة جدا!
باعتبار أن هؤلاء الفلسطينيين، وبخلاف إخوانهم في الضفة الغربية، يتمتعون بهامش حرية مطلق، بحيث بإمكانهم الوصول إلى أي مكان داخل إسرائيل، مما يزيد من قدرتهم على المس بالأمن الداخلي الإسرائيلي.
ورغم أن حكومة بنيامين نتنياهو معنية بأي مسار يفضي إلى تحسين الواقع الأمني في إسرائيل، يكتسب تحسين البيئة الأمنية بالقدس أهمية كبيرة.
لأنه يساعد الحكومة على تنفيذ مخططاتها لإحداث تحول بميزان القوى الديموغرافي بين الفلسطينيين والمستوطنين؛ ووصولا لأهداف خطة «القدس الكبرى»، التي ترمي إلى زيادة عدد اليهود في المدينة المقدسة إلى مليون مستوطن.
وترى حكومة نتنياهو أن تحسين الواقع الأمني في القدس سيقنع المزيد من المستوطنين اليهود من غير أتباع التيار الديني بشقيه الصهيوني والحريدي، بالتوجه للإقامة في الجيوب الاستيطانية التي تبنيها إسرائيل في القدس الشرقية وفي محيط المدينة.
وتدرك حكومة الاحتلال الدور الذي لعبته موجة عمليات المقاومة الفردية التي نفذها الفلسطينيون، والتي تركز أغلبها في القدس، في المس بدافعية المستوطنين للانتقال للإقامة في المدينة، رغم المغريات الكبيرة التي يتم تقديمها لهم لإقناعهم بذلك.
في الوقت ذاته، فإن حكومة نتنياهو ترى أنه في حال نجحت الخطة في تدجين المقدسيين وتقليص مستوى ممانعتهم لمخططات التهويد والاسرلة في القدس، فإن هذا سيحسن البيئة الإقليمية لإسرائيل.
ومما لا شك فيه أن إسرائيل تعي الطاقة الكامنة في دور الخلاف بشأن ممارستها في القدس المحتلة وتحديدا ضد المسجد الأقصى في المس بالعلاقة مع الأردن، التي ترى أن الشراكة مع نظام الحكم فيه يعد من أهم ركائز الأمن القومي الإسرائيلي.
في الوقت ذاته، فإن أي مسار يقلص تسليط الأضواء على إجراءات الاحتلال في القدس يساعد على توفير بيئة تسمح باتساع التطبيع بين تل أبيب والدل العربية.
لكن رغم رهانات إسرائيل العريضة على عوائد هذه الخطة، إلا انه لن يكتب لها النجاح.
فإسرائيل ليست قوة الاحتلال الأولى التي عمدت إلى محاولة التأثير على وعي الشعب الواقع تحت الاحتلال من خلال فرض مناهج تعليمية تكرس رواية المحتل، مع العلم أن أي من هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح.
في الوقت ذاته، فقد أثبت واقع الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال أن تحسين الواقع الاقتصادي لم يسهم في تقليص مستوى المقاومة ضد الاحتلال.
فعشية اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر العام 1987 كانت الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ممتازة مقارنة مع الواقع حاليا، ومع ذلك رفض الفلسطيينون التعايش مع الاحتلال وخاضوا غمار انتفاضة تواصلت لمدة سبع سنوات وأحدثت تحولا عميقا على بيئة الصراع.
من ناحية ثانية، فإن الاستقطاب بين القوى اليمين الديني والعلماني التي تشكل الائتلاف الحاكم يسهم في إفشال هذه الخطوة.
فعلى سبيل المثال، توعد موشيه ليئون، المرشح الذي يتوقع على نطاق واسع أن يفوز برئاسة بلدية الاحتلال والمدعوم من قوى اليمين الديني، بجملة من إجراءات التهويد الفجة.
ناهيك عن تعهده بفرض سياسة أكثر تشددا من السياسة التي ينتهجها رئيس البلدية الحالي نير بركات ضد البناء غير المرخص للفلسطينيين في القدس الشرقية؛ وهو ما يعني أن الأسباب التي تدعو المقدسيين لمواصلة التصدي للسياسات الإسرائيلية ستتعاظم فقط.
* د. صالح النعامي كاتب وباحث في شؤون الكيان الصهيوني.
المصدر: السبيل – عمّان