المحتويات
محمد علي الذي أعاد اللعبة!
إبراهيم منير
إبان عمل محمد علي مع الجيش المصري، خلال السنوات الماضية حاول القيادي الإخواني إبراهيم منير وغيره من قيادات “جناح الكبار” أو الجناح التقليدي للجماعة صناعة خطاب سياسي جديد للجماعة، ينتهي فيه فعالية شعار عملهم خلال سنوات ما بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي -رحمه الله- “السيسي قاتل”، ليحاول عرض تلميحات أشبه بمد يد بهدنة مع النظام المصري يوقف كل منهما فعالية خطابه الثوري ضد الآخر، ليرافق ظهور منير من عام 2016 شهر نوفمبر، تارة يتحدث عن أن الجماعة لن تقبل التصالح على دماء الشهداء مما يشي بهدنة وفي القلب تزال القضية، وتارة في خطابه إلى ضباط الجيش المصري مادحا إياهم بـ”الشرف” بشكل مجاملة لطيفة من رجل يريد الخير لمصر ويريد أن يلفظ أبناء جيشها “عبدالفتاح السيسي الخاين العميل”.
خطاب منير التقليدي رافقه خطاب أشد تقليدية لرجل التويتر الشهير محمد البرادعي، الذي أفضى على المصريين والدولة المصرية العظات والحكم، طارحا وابلا من الأسئلة التي تشبه أسئلة حكيم القرية “من أين نبدأ؟” “إلى متى تحكمنا..؟” “من يفعل..؟” “متى نعرف..؟”، وأسئلة من هذا القبيل التي تشبه موضوعات الإنشاء المملة التي لم يحبها أيا من الشعب المصري حيث تأخذ الوقت الكثير ودرجاتها قليلة، “عايزين نخش في المفيد.. جاوب على أم السؤال”
محمد علي
في خطوة أشبه بعملية “تسيّئ قطع الدومنيو” بعد دور شاق سحب فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ثلاثة أرباع القطع الاحتياطية وقطع خصومه، ليستحوذ على اللعبة بشكل كامل، يعود المقاول المتعاون مع الجيش المصري سابقا محمد علي كلاعب لم يكن على البال ليهد الدور ويمنح الفرصة لترتيب الأوراق من جديد.
موجة سخرية رافقت مقاطع المقاول السابق في كل مرة يعلن عن مقطعه الجديد كنجم سينمائي ينتظره متابعوه، تملأهم الإثارة والتشويق، إلا أن موجة شبه جادة غير “لطمية” انتابت نشطاء مصريين بعد انتشار مقاطع “علي” التي اعتمدت خطابا غير تقليدي على مدار السنوات الأخيرة، تشبه جملة قالها وائل غنيم في مقطع له يحاول فيه العودة للأذهان مجددا بعد سنوات من “الاكتئاب” قال فيها “اللي هيقولي السيسي قاتل خليك مكانك”، ربما يكون هو الأدق أن نقول أن وائل غنيم ومن قبله محمد علي يحاولان كسر نمطية “العركة” في مصر منذ إنقلاب 3 يوليو 2013.
عبدالفتاح السيسي
الرئيس المصري الحالي لن يدخل في سجالات حول عرض منير باعتزال العمل السياسي لمدة ما واقتصار عمل الجماعة على الشكل الدعوي، بمقابل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين من السجون، طبعا لا يحتاج العرض لإجابة، ربما لن يستمع إليه الرئيس كما أنه لن يقرأ تدوينات البرادعي فلديه أسئلة أخرى بإجاباتها الكاملة.
محمد علي
خطاب السيسي كرجل مخابرات، كان يراهن على الخطاب الأكثر سهولة وبساطة و”صياعة” بتعبيرات شعبوية تغلغل من خلالها في أعماق الطبقات المصرية، يكفي أن نذكر أن أحد هتافات “ثورة” 30 يونيو كان “ارحل ارحل يا بن سنية” أو “سيد يا سيد مرسي مش هيعيد”، في خطاب منحط في الخصومة وفي الوقت ذاته معبر عن ثقافة شعبوية تستخدمها عند “الفجر في الخصومة”.
خطاب محمد علي يشبه إلى حد كبير خطاب الإعلام الإخواني في تناول القضايا التي تهم كثيرين في مصر والذي حاول فيها استخدام خطاب مشابه لخطاب السيسي، (وضع أمه في الثلاجة – جنرالات الجيش الكبار – الجيش بلع البلاد والعباد – سرقني وسرقكم – ضحك عليكم – ترعة قناة السويس – معلقة) وأشياء أخرى لكنه لا يذيّل حديثه بـ”السيسي قاتل السيسي خاين السيسي.. إلخ” أو “السفاح الذي قتل الرجال ويتم الأطفال ورمّل النساء” أو يضع يده على فمه ويقول “القصاص” أو حتى يصرخ بها في الميادين العامة أو من خلال قنوات تلفزيوني.
بالطبع لا يمكن بحال أن تطلب من شعب أعزل أن يعقد محكمة ثورية لجنرالات بالجيش ويعلقهم على المشانق، طموح الإخوان الساذج بالطبع لن يقابل إلا بسخرية، أو حتى بخطاب أشد فعلا وقولا، الجنرال “سيصنع الخوف.. ويصنع الرجل الذي يقتل أو يؤيد القتل بضمير مرتاح بتعبير موظف وزارة الدفاع الفرنسية السابق بيا كونيسا”، وسيقول إعلامه: “إرهابي يريد قتلي لينفرد بكم واحدا واحدا ويقتله.
لكن يمكنك أن تقول “نكتة” ساخرة منهم ويضحك كل من في المواصلات مثلا.
وائل غنيم
ربما ظن وائل غنيم أحد أهم الوجوه إبان ثورة يناير أن “فيديوهات محمد علي” تعبر عن خطاب الإخوان، كأن يشغله أين وضع أمه قبل دفنها من أجل حصاد المؤتمر الاقتصادي أو لماذا “ترعة” قناة السويس الجديدة، فكان رده ناقدا له في البداية. أو ربما كان يرى غنيم أن خصم علي لا يمكن إخراجه من اللعبة أو شراء معارضته فاختار حالة البارانويا التي أنتجتها الثورة المصرية بعد إزاحة حسني مبارك “أبدأ بنفسك”، أو كما قال “السيسي فيه خير”، أو “قبل ايد هذه السيدة (في إشارة لزوجة الرئيس الأسبق محمد مرسي).
عبدالفتاح السيسي
السيسي كان أفطن من وائل وذلك من البداهات، عرف من يخاطب محمد علي، وإلى من يتحدث، “أنا خايف يأثر على الضباط الصغيرين” كانت تلك الجملة التي تلخص اللعبة، ليعلن السيسي بالرد على مقاوله السابق قبول اللعبة ويسمح لمحمد علي باختيار الأوراق.
اليوم وللمرة الأولى منذ غروب شمس يوم 3 يوليو 2013، يحدث التغير الجذري في الوضع السياسي المصري، السيسي يخرج عن خطاب “ثورة 30 يونيو كثورة تصحيحية لمسار ثورة 25 يناير” ويبدأ الخصومة والإعلان الواضح عن أن الأخيرة كانت مؤامرة والأولى كانت مضادة للمؤامرة.
السيسي يتحدث عن الدولة المصرية التي كادت تسقط وسقط رأسها فقط في 11 فبراير الماضي، ويتحدث عن دولة قوية مستقرة تحارب الإرهاب، وواجهت مؤامرة.
ما لا يعرفه السيسي أن نظامه تحول تحولا استراتيجيا بخروجه من أجل “الرد على محمد علي” في مؤتمر شباب قبل آوانه بنحو شهرين، ليتحول من ثورة مضادة إلى دولة مستقرة يهدد الإرهاب نظامها السياسي، النظام المصري تحول اليوم من النظام الشرس الذي لا يقف أمامه أحد، إلى جنرال حزين يعلق على عدة مقاطع مصورة متوتر يكتسب الثقة في نفسه وسط مجموعة من المصفقين في مشهد كارتوني.
النظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي تحول من الهجوم الثوري المضاد، إلى الدولة المستقرة التي وصلت للاستقرار منهكة محملة بكافة الأوراق، تحاول الدفاع عن استقرارها.
السيسي اضطر للرد على محمد علي من منطقه ومنطلق أنه يتحدث عن واقع وحقيقة، لم يكذب رواية محمد علي ومعلوماته باعتبار مصدر موثوق من الداخل للتعامل وربما سيتخذ توجها جديدا في التعامل مع المقاولين باعتبارهم ضباط بالقوات المسلحة لهم أندية ومسابح وتسعيرات خاصة في المواصلات والسكن والمأكل والمشرب، أو ربما يسند المهمة لضباط مقاولين، لكنه وبقوة حاول أن يحافظ على سلامة منطقه في أعين تابعيه باعتباره مؤسس وصانع ماهر وتعبيرا عن الوجه الذي لا تعرفونه من نظام مبارك الذي أطاحت به المؤامرة: “نحن دولة نظامية مستقرة تحارب الإرهاب لها سلاحين وزارة الداخلية والدفاع والفساد أمر عرضي يمكن توضيحه أو تفسير أسبابه، ببساطة هو أمر نسبي الأسباب له أوجه كثير حسب النوايا ونيتنا هي الصحيحة ضدقوني (أو يقول معلومات فيها الصحيح وفيها المتآمر الكاذب المفتري)”.
محمد علي ووائل غنيم
نظريا اللعبة عادت إلى الطاولة بروح جديدة، تضع لنفسها موقعا قد يكون متميزا بشكل ما، يخاطب الشعب المصري الذي ينتظر ألف شخص يتحرك في كل موقع هام في كل محافظة من الـ27 محافظة ويهتف هتافات من داخل عقله “هم بياكلوا كباب وفراخ واحنا الفول دوخنا وداخ” أو “باتا باتا متانة وخياطة”، وضباط الجيش الذين أكل عقلهم الكبار بخطابات الشؤون المعنوية، ليخبروهم “العيب في الكبار بينضحك عليكم”.
كرة الصلصال المشتعلة انطفأت وبردت قليلا، أصبح من الممكن أن تتحمل حرارتها أياد كثيرة، وأصبح من الممكن تحريك شكلها قليلا. والرئيس ترك كل قطع الدومينو من يده وتمسك بقطعتين الاقتصاد الرائد والنهضة التي تنافس محمد علي (مؤسس مصر الحديثة)، ودولة مستقرة تحارب الإرهاب والطائفية وتصحح مسارات وزاراتها وتنظيف “اللي حواليه هم اللي وحشين”.
(بالمناسبة قرينة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السيدة انتصار السيسي، لم ترافقه في مؤتمر الشباب الثامن ولم تظهر بالكادر).
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة