مقتدى الصدر يرى في الكاظمي حصان طروادة الذي يمكن أن يحافظ من خلاله على نفوذه في السلطة!
نفي القوى الشيعية سؤوليتها عن محاولة اغتيال الكاظمي بالمطلق لا يبدو منطقيا، فما الذي حصل إذن؟!
التنسيقية الشيعية التي تجمع كل الأحزاب الشيعية، تبدو اليوم أقوى من مقتدى، لأنها تمثل كتلة شيعية أكبر من كتلة مقتدى في البرلمان.
هناك ضباط إيقاع بالمرجعية الشيعية في العراق وقيادات في طهران وبيروت ما زالوا قادرين للآن على منع صدام شيعي ـ شيعي في العراق.
المستهدف مقتدى الصدر كطرف شيعي قوي، يقف وراء الكاظمي ويسبب صداعا مستمرا للأحزاب الشيعية التقليدية كونه التيار الإسلامي الشيعي المنافس لهم.
السيناريو المرجح أن تحدث تسوية بين الفرقاء الشيعة بمن فيهم مقتدى الصدر وعندها سيتفقون على مرشح مشترك لرئاسة الوزراء لن يكون الكاظمي بالطبع.
* * *
بقلم: وائل عصام
بغض النظر عن دقة توصيف الهجوم الذي تعرض له منزل مصطفى الكاظمي مؤخرا بطائرة مسيرة، إن كان فعلا محاولة اغتيال، أو ضربة تحذيرية محسوبة، فإن المستهدف بهذه الرسالة هو مقتدى الصدر، لأنه الطرف الشيعي القوي، الذي يقف وراء الكاظمي، ويسبب صداعا مستمرا للأحزاب الشيعية التقليدية في العراق، كونه التيار الإسلامي الشيعي المنافس لهم ضمن دوائرهم وجمهورهم.
هذه القوى الشيعية وتحديدا الحشد الشعبي (حزب الله والعصائب وغيرهما) ومعهم نوري المالكي، شككت منذ البداية بصحة محاولة الاغتيال، بل ذهبت إلى أن العملية مفبركة و«استعراض إعلامي» يهدف من خلالها الكاظمي إلى التغطية على قتل متظاهري الحشد الشعبي، حسبما قالته قيادات وجمهور الحشد الشعبي، وإلى جلب التعاطف والتأييد المحلي والإقليمي.
وقد روج جمهور الحشد لفكرة تقول، إن الكاظمي «أصغر من أن يستهدف» وهي تعليقات انطلقت من تصريح أبوعلي العسكري المسؤول الأمني لكتائب حزب الله العراقي، بأنه «لا أحد مستعد أن يخسر طائرة مسيرة على منزل رئيس وزراء سابق، وأن هناك طرقا أقل تكلفة وأكثر ضماننا كفيلة بالإضرار به».
ورغم أن الكاظمي بالفعل رئيس وزراء سابق لا يبدو أنه يشكل تهديدا للأحزاب الشيعية الحاكمة، التي هي أصلا من وافقت على مجيئه لرئاسة الوزراء في تسوية مؤقتة، إلا أن نفي المسؤولية عن العملية بالمطلق لا يبدو منطقيا، فما الذي حصل إذن؟
لا أحد يعرف تماما، فمن الممكن أن عملية الاستهداف وقعت بالفعل، لكن من الواضح أنها كانت مجرد تحذير ولا تهدف إلى قتله، أي أنها ضربة محسوبة، خاصة أن القوى الشيعية للآن لم تنجرف لمواجهة مفتوحة، ولا تريد ذلك، هناك ضباط إيقاع في المرجعية الشيعية في العراق، وقيادات في طهران وبيروت ما زالوا قادرين للآن على منع صدام شيعي ـ شيعي في العراق.
وتأتي زيارة قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في إطار محاولة ضبط الأمور قبل الانفلات، وقد نجحوا في ذلك بالفعل، ومنعوا الانزلاق لنزاع مفتوح بين أتباع باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة، والتيار الشيعي الذي انبثقت منه معظم الأحزاب الشيعية الحاكمة اليوم، وأتباع ابن عمه السيد محمد محمد صادق الصدر، تيار مقتدى الصدر اليوم، الذين توارثوا تنافسا داخليا محموما مع أحزاب الدعوة والمجلس الأعلى على قيادة المرجعية الشيعية في العراق منذ عقود.
لو لاحظنا الزيارة التي قام بها الكاظمي إلى مدينة الصدر، لاكتملت الصورة، فالكاظمي الذي لا يملك تيارا شعبيا مؤثرا، أو حزبا جماهيريا، ولا يملك تاريخا سياسيا، يرى في الصدريين قاعدته الوحيدة، التي يمكن الاستناد إليها لمواصلة نشاطه السياسي.
فإن كان يفكر في الترشح لولاية ثانية، فإن الوحيدين القادرين على دعمه محليا هم الصدريون، ورغم وجود قوى سياسية أخرى تؤيد الكاظمي كحيدر العبادي رئيس الوزراء السابق وغيره، إلا أن الوحيد الذي يمتلك قاعدة شعبية قادرة على موازنة قواعد الأحزاب الشيعية الأخرى هو مقتدى الصدر.
في المقابل، الصدر يرى في الكاظمي حصان طروادة الذي يمكن أن يحافظ من خلاله على نفوذه في السلطة، والأهم أن مقتدى يريد ببقاء الكاظمي برئاسة الوزراء، تجنب تولي إحدى الشخصيات المنتمية لخصومه، خاصة من تيار المالكي، لكن التنسيقية الشيعية التي تجمع الآن كل الأحزاب الشيعية، تبدو اليوم أقوى من مقتدى، لأنها تمثل كتلة شيعية أكبر من كتلة مقتدى في البرلمان.
والأهم أنها تمثل قادة وأحزابا ومراجع لهم تاريخ وثقل في المجتمع الشيعي، لذلك سيكون من الصعب على مقتدى الصدر تجاهل التنسيق معهم في نهاية المطاف، إن كان يريد البقاء ضمن سقف البيت الشيعي، وهو ما يبدو حريصا عليه بالفعل.
وبالتالي فالسيناريو المرجح هو أن تحدث تسوية بين الفرقاء الشيعة، بمن فيهم مقتدى الصدر، وعندها سيتفقون على مرشح مشترك لرئاسة الوزراء لن يكون الكاظمي بالطبع، ومن المستبعد أن يلجأ الصدر أو المالكي للتحالف مع كتل سنية أو كردية، وتشكيل حكومة متجاوزين الإجماع الشيعي أولا.
وحتى مقتدى الصدر قد يضطر للقبول في النهاية بخيارات قد لا تروق له أمام اتفاق القوى الشيعية المجتمعة، وقد سبق له أن وافق على تولي المالكي رئاسة الوزراء عام 2010 بعد أقل من عامين على صراع دموي بين مقاتلي جيش المهدي وقوات حكومة المالكي في البصرة والجنوب العراقي.
ذهب بعدها مقتدى للاعتكاف في لبنان، حيث تعود أصول عائلته لجبل عامل، وهو مخرج قد يكرره مقتدى إن ضاقت به النجف، مرة يعتكف في قم ومرة في لبنان ومرة يقول إنه تفرغ للدراسة الدينية، وترك السياسة حسب توجيهات والده، ومرة يعلن حل جيش المهدي، ثم يشكل سرايا السلام، ومرة يعلن عدم المشاركة في الانتخابات، ثم يعود ليتصدرها.
وهكذا فإن هذه التقلبات تجعله دوما معرضا للارتباك السياسي، أمام خصومه في الأحزاب الشيعية الأخرى، التي عادة ما تسعى لإرضائه بهدف تجنب الصدام مع قاعدته الشعبية العريضة من فقراء الشيعة، للخروج بتسوية تضمن موقفا شيعيا موحدا في العراق.
وخاصة أن الاطمئنان الشيعي الحاصل بعد تلاشي التهديد الأمني، جعل قادة الشيعة في العراق وجمهورهم متفرغين لخلافاتهم الداخلية، التي من الطبيعي أن تتصاعد وتظهر للساحة، طالما اختفى التهديد الخارجي عليهم المتمثل مؤخرا بتنظيم الدولة.
* وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: