متى يبعد عن عروبتنا الإستبداد ويختفى!
لا تحتوى مكونات وآليات الطغيان إلا على الإستبداد، فمكونات الطغيان من القهر والجور والظلم يحتويهم الاستبداد، فالاستبداد من حيث هو تصرف غير محكوم وغير مقيد وتصرف مسيطر تحكمى استغلالى شامل فى شؤون الجماعة والفرد وعن طريق إرهاب الفرد والجماعة ليعمل ضد حريته فى الاختيار والاستيلاء غير الشرعى على الحكم والقيادة والمجتمع والجماعة وبطرق متعددة منها طريق القوة البدنية المباشرة والتهديد بالتصفية والتعذيب والإكراه البدنى ووصولا إلى تكريس إصدار القوانين النافذة التى تؤسس للطغيان والاستبداد وعن طريق الحرب النفسية السيكلوجية والتهديد.
ومن ثم تبرز هذه الآليات إرادة الطغاة وأساليبهم الإجرامية غير مبالين ولا معترفين بقواعد العدل والإنصاف، ومن ثم يصير الاستبداد نوعا من أنواع الحكم أو نظام من الأنظمة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، نظاما مركبا ويصير الحاكم إلها لا يرد له قرار ولا ينتقد له تصرف فهو الحاكم بأمر الله ومنذ عهود الإنسان الأولى فقد كان الحاكم فى العهود الفرعونية هو الإله أو يمثل الإله الذى يعبد ويقدس ويقهر الشعب ويقدس حتى بعد مماته.
اقرأ/ي أيضا: حقيقة الكيان الصهيونى وفكره العنصرى
وقد أظهرت البرديات الفرعونية هذا القهر فقد ذكر الحكيم الفرعونى إيبوور فى بردياته ذلك حين تسائل: لماذا تمكث التماسيح طويلا تحت الماء ويجييب إيبور الحكيم من كثرة ما يلقى إليها من المصريين اليأس والقهر، ورغم كل ذلك سرعان ما يتصاعد كلاب السلطة من سندة الحاكم الطاغى الاستبدادى ويتصاعد معهم التطبيل وحرق البخور ولتمدح وتصفق وتزيين كل فاعليات الطغاة، وعرف التاريخ الحاكم بأمر الله وما تمييزعهده بالقسوة والعنف وسفك الدماء.
ولا يقتصر الاستبداد على الحاكم الفرد ونظم الدولة ومؤسساتها الحاكمة ولكنه يشمل استبداد القبيلة والتى يتوسع فيها حكم الفرد شيخ القبيلة أورئيس الجماعة وتخضع الأغلبية ويزداد فقرها وضعفها وبؤسها، وسيطرت على الثقافة الشعبية العربية موروثات تقديس الحاكم وتبجيله ورفض نقده والمساس بسلطته بل وتمجيده والإبداع فى تقديسه ومدحه والانبهار بقوته بل واعتباره قدرا من السماء وجبة طاعته وتقديسه وتوقيره وقد يكون ذلك من خوف القهر السلطوى، ورغم ذلك تكشف البرديات الفرعونية نقد لمواطن للظلم فتقول بردية لفلاح مظلوم من الحاكم: “انت يا من نصبت لتقيم العدل قد تحالفت مع الظالم. والناس تحترمك رغم أنك معتد.
اقرأ/ي أيضا: الحرب السيبرانية.. “الماهية والفاعليات”
لقد نُّصِبت لتنصف المظلوم ولكن انظر ها انت تغرقه بيدك “وفى بردية ثانية يقول المظلوم: “انظر ان الاله قد فوضتك لتنصرنى على من ظلمنى ولكنك لا تنصت. فاعلم انى لن اقصدك بعد الآن وانى ذاهب لاشتكى إلى الاله “آنوب” .. “وفى بردية ثالثة يوصف الفلاح المصرى ما يتعرض له من قهر واستبداد وجور وظلم “أيها الوزير احم التعس. ضيق الخناق على اللصوص إحذر فان الأبدية (الموت) تقترب وفضِل ان تعمل خيرا واعمل بالمثل القائل (ان نفس الإنسان تقيم ماعت) “ونفذ العقاب في من يستحق. ليس هناك شيء يعادل الاستقامة. لا تنطق كذبا لأنك مسؤول. لاتكن خفيفا لانك ذو وزن.لا تتكلم بهتانا لانك القائم على العدالة.هل يخطيء الميزان. افهم انك والموازين سيان ولسانك هو رمانة الميزان وقلبك هو المثقال”.
ثم تعبيرا عن مقاومته للظلم يلجأ الفلاح المصرى المقاوم إلى القَدح الشديد: “أأنت تستطيع الكتابة ؟ أأنت متعلم؟ أأنت مهذب؟ لقد تعلمت لا لتكون سارقا. لقد وقعت في نفس الشرك الذي وقع فيه غيرك وأنت يا من تمثل الإستقامة في الأرض صرت رئيس البغاة ان الزارع الذي يزرع الظلم ويروى حقله بالعسف والكذب سيجنى ما زرعت يداه وبذلك تغمر الضيعة بالشر”، وخاطب الفلاح موظف السلطة القهرية المعتدى عليه قائلا: “ان طريقى مستقيمة وقد قام جنودك باغلاقها.. فاضطررت للنزول إلى حقلك لاستأنف طريقى .. اتغتصب حميرى لان واحدا منها التهم ملأ فيه من سيقان قمحك؟”.
عذراً التعليقات مغلقة