إذا لم يكن بإمكان الميليشيات تغيير نتائج الانتخابات فهي تظهر قدرتها على تهديد كل المنظومة التي صنعت الانتخابات.
الهجوم على مقر الكاظمي اختراق لخطوط حمراء فالقوات التي ساهمت بمواجهة تنظيم «الدولة» تحوّلت من حام للدولة والمنظومة السياسية العراقية إلى تهديد لهما.
المحاولة تطورا أمني وسياسي خطير فهي أول عملية بهذا الحجم منذ سقوط نظام صدام وتستهدف رأس السلطة التنفيذية والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
ميليشيات «الحشد الشعبي» عبّرت بطرق شتى عن رفض نتائج الانتخابات واعتبرتها تزويرا ودفعت جماهيرها لاحتجاجات دموية مع قوات الأمن العراقية.
* * *
نجا رئيس الوزراء العراقي من «محاولة اغتيال» بواسطة ثلاث طائرات مسيّرة استهدفت مقر إقامته في «المنطقة الخضراء» في العاصمة بغداد ليل السبت ـ الأحد الماضي، تم إسقاط اثنتين منها وانفجرت الثالثة في المقر مما تسبب بإصابة عدد من الحراس.
تعتبر المحاولة تطورا أمنيا وسياسيا خطيرا، فهي العملية الأولى بهذا الحجم منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، والتي تستهدف من يعتبر، دستوريا، رأس السلطة التنفيذية في الدولة (إضافة إلى كونه «القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة»).
يجيء الاستهداف هذا بعد الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي والتوتّر الكبير الذي أحدثته نتائجها، خصوصا لدى ميليشيات «الحشد الشعبي» التي عبّرت بطرق شتى عن رفضها لنتائج تلك الانتخابات، واعتبرتها تزويرا، ودفعت جماهير محسوبة عليها لاحتجاجات دموية مع قوات الأمن العراقية.
تعتبر العملية، ضمن هذا السياق، تهديدا للكاظمي (الذي يمكن أن يكون من الشخصيات المرشحة لتشكيل الحكومة مجددا، وبالتالي فالعملية هي إشارة واضحة لمطلب الميليشيات، الموالية لإيران، لضرورة إقصائه) وكذلك للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي حازت كتلته على العدد الأكبر من النواب، والذي فهم المسألة مباشرة وعبّر عن إدانته للعملية معتبرا إياها «محاولة للاعتداء على العراق وسيادته».
غير أن معنى العملية الأكثر وضوحا هو أن الميليشيات والحركات العسكرية التي نشأت نتيجة التحاق الآلاف من المتطوعين إلى «الحشد الشعبي» (إثر فتوى «الجهاد الكفائي» للمرجع الشيعي علي السيستاني عام 2014 لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام») صارت من القوة التي يمكنها أن تهدد الدولة!
وأن تعترض على المنظومة السياسية الراهنة وطريقة اشتغالها، بحيث تعتبر الانتخابات، حين لا تصب في صالحها، مزورة، ويتحوّل رئيس الوزراء، إلى محط للسخرية باعتباره «مخلوقا فيسبوكيا» (على حد تعبير أحد قادة تلك الميليشيات) إلى درجة الاستهزاء به بالقول إنه لا يستحق أن تخسر تلك الميليشيا طائرة مسيّرة على اغتياله.
أحد عناصر قوة تلك الميليشيات نابع من إحساسها بأنها جزء من آلة الدولة نفسها ونتيجة من نتائج إدارة حكوماتها المتتابعة الفاشلة للبلاد.
فحين يقوم الآلاف من المحسوبين على الدولة العراقية، وبالتواطؤ بين أجهزتها المختلفة، بالانتقام من عملية لتنظيم «الدولة» ضد قرية شيعيّة، بالهجوم العسكري المنظم ضد قرية سنيّة، والقيام بعمليات إعدام ميدانية فيها، فمن الصعب على المهاجمين والضحايا، التفريق عمليا، بين الدولة والميليشيات.
العنصر الثاني لقوة الميليشيات هي التعبير عن الولاء الأعمى لإيران، بحيث تتناظر المزاودة على غيرها من القوى السياسية في ذلك الولاء، مع الاستقواء الواضح بنفوذ الجمهورية الإسلامية، بحيث يغدو الاشتباك مع تلك الميليشيات، اشتباكا يستدعي تدخل إيران، أو من يقوم بالنيابة عنها.
يعتبر الهجوم على مقر الكاظمي، مع ذلك، اختراقا للخطوط الحمراء، وإشارة إلى أن القوات التي ساهمت في مواجهة تنظيم «الدولة» تحوّلت من حام للدولة والمنظومة السياسية العراقية إلى تهديد لهما، وإذا لم يكن بإمكان الميليشيات تغيير نتائج الانتخابات، فهي تظهر أنها قادرة على تهديد كل المنظومة التي صنعت الانتخابات.
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك:
انتخابات العراق أعادت حضور خطاب القوى المعارضة لـ”العملية السياسية”