بقلم: عبد الرحمن الراشد
الجديد في المشهد السوري الدامي وجود مبعوث دولي، وبالتالي يفترض أننا أمام احتمالين؛ نهاية العنف والقبول بحل سلمي، أو استمرار القتل والعودة للمواجهات بين النظام والشعب.
هذا من الناحية النظرية، أما على أرض الواقع، فإننا أمام احتمال واحد فقط وإحدى نتيجتين. مبادرة المبعوث كوفي أنان ستفشل في وقف القتل، والنتيجة إما أن يقتنع المجتمع الدولي بأن النظام رافض وبالتالي يجيز التدخل لإنهاء المأساة، أو يستمر الانقسام الدولي بسبب وقوف الروس إلى جانب بشار الأسد ومعظم العالم يقف متفرجا على شعب يُذبح. والثاني هو الأرجح.
لا أحد يعتقد بجدية وقف إطلاق النار، ولا أحد يصدق به، بما في ذلك صاحب المبادرة نفسه مندوب الأمم المتحدة كوفي أنان، وسرعان ما ستنهار الهدنة والمبادرة لاحقا.
لو كان النظام جادا في التفاوض كان بإمكانه أن يفعل ذلك وهو يطلق النار، وكان الأرجح أن يهدي المهمة لحليفه الروسي لا لمندوب أممي. أما لماذا قبل المبادرة فذلك فقط للاستمرار في كسب المزيد من الوقت، وتدوير دعوى الجماعات المسلحة لتبرير الحرب من جانبه، وتخفيف الضغط عن حليفته موسكو.
أما أهمية مبادرة أنان، فإنها قد تكون آخر المبادرات، إلا من واحدة أخيرة، وهي مبادرة إنقاذ النظام إذا حاصر الثوار العاصمة دمشق، هنا تصبح جادة، والنظام هو نفسه من سيدعو إليها. مسألة تعتمد على قدرة السوريين على الاستمرار في مظاهراتهم، وقدرة الثوار على تغيير ميزان المعركة، أمران يصعب أن نقدر كم سيستغرقان من الوقت، لكننا بكل تأكيد أمام شعب لا يكلّ، على الرغم من جسامة الثمن.
أما مبادرة أنان، فمجرد وسيلة أخرى تخدم النظام وحده، حيث يظهر أنه قبل بها، وتعاون معها بتخفيف المواجهات، وسيسعى لترويج مزاعمه بوجود جماعات مسلحة منتشرة تدعمها دول الخليج والغرب. ولا قيمة للمبادرة طالما أن الموقف الروسي واضح وصريح بأنه سيستخدم الفيتو ضد أي قرار يدين الأسد.
ولهذا يتبقى على المجموعة الدولية التي تدرك مخاطر الأزمة السورية على المنطقة والعالم، وتلك التي تشعر بآلام الإنسان السوري وتريد وقف المجزرة، أن تعرف أنه لا يوجد سوى حل فاعل واحد، وهو دعم الثوار السوريين والتعجيل بإنهاء المأساة. النظام لن يقف حتى يخسر، هذه حقيقة جلية. يشعر أنه الآن قادر على استخدام أكثر من نصف مليون من قواته الأمنية والعسكرية وأسلحته الثقيلة، بما فيها الطائرات المقاتلة والمروحيات والدبابات لقصف المدن دون رادع.
لو نظرنا في علاقة المبادرات السابقة، والوساطات المختلفة، بتصرف النظام، نجد أنها منحته ثقة في نفسه برفع مستوى العنف والقتل. فهو في البداية كان يستخدم الشبيحة، وهي جماعات مرتبطة بالنظام تشارك في المواجهات بملابسها المدنية حتى لا يقع لوم القتل على النظام. ثم صار يسمح لقواته الأمنية بالمشاركة في إطلاق النار علانية.
ولاحقا استدعى الجيش ونشره في المدن والأرياف بعد أن كبر حجم المظاهرات، وبلغت في بعضها أكثر من نصف مليون، كما حدث في حماه. بعدها، صار مشهد استخدام الدبابات والمدافع في قصف الأحياء المدنية عاديا يمارس بشكل شبه يومي في مناطق مختلفة من البلاد. وحديثا، زاد النظام من قوة النيران، فلجأ إلى استخدام المقاتلات الحربية وطائرات الهليكوبتر.
السبب أن النظام كان يخشى في البداية من عواقب التدخل الدولي، وأمامه سوابق مثل البوسنة وليبيا. وبعد أن وجد أن الروس والصينيين مستعدون للدفاع عنه في مجلس الأمن، مهما استخدم، لم يعد يبالي بنوعية الأسلحة وضخامة المجازر التي ترتكبها قواته.
وعلى الرغم من أنه استخدم كل درجات العنف لأكثر من عام، فإننا نرى فشله في كبح جماح الثورة، وبالتالي النظام يطيل من عمره فقط ولا يديم بقاءه. وإطالة الأزمة ستنجح في نشر الفوضى في البلاد، وهي الذريعة التي تتذرع بها الكثير من الدول لتبرير الامتناع عن التدخل، في حين أن عدم التدخل أو عدم دعم الثوار في الحقيقة يتسبب في إطالة الأزمة ودخول جماعات فوضوية، مثل الجماعات الجهادية وغيرها.