تواجه مصر فجوة في التمويل تبلغ 5 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2023, من المقرر أن تسد الحكومة مليارين منها عبر بيع للأصول. بينما ستحصل الدولة على نحو مليار دولار من البنك الدولي ومليار من بنك التنمية الصيني. وستتوزع باقي المبالغ بين صندوق النقد العربي وبنك التنمية الأفريقي والبنك الآسيوي للاستثمار.
“لن يتمّ بعد اليوم استخدام الأموال الساخنة لتثبيت سعر الصرف كما كان يحدث سابقاً”.
يشكو بعض رجال الأعمال في مصر من عدم قدرتهم على منافسة الشركات الحكومية في البلاد في ظل تمتعها بالعديد من المزايا والنفوذ.
* * *
كشف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي قدمته مصر لصندوق النقد الدولي عن عدد من الالتزامات التي تعهدت الحكومة والبنك المركزي بها، من أهمها تحقيق تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص من خلال العمل على وقف الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها شركات الدولة والجيش، وصولاً إلى ضمان أن تدفع هذه الشركات نفس أسعار الكهرباء والمياه المفروضة على الشركات الخاصة.
تضمن البرنامج أيضاً، أن تعكس أسعار الوقود المحلية الأسعار العالمية، وعدم خفض أسعار الوقود حتى إذا اقترحت ذلك آلية التسعير التلقائي (التي تعتمد بالأساس على التغير الفصلي في أسعار النفط والصرف)، حتى تستعيد الحكومة الدعم الإضافي الذي قدمته في الفترة الماضية بتثبيتها للأسعار.
توقع مسؤول حكومي مطلع مشترطاً عدم نشر اسمه، في وقت سابق من هذا الشهر أنَّ “أسعار المواد البترولية تنتظر زيادة جديدة خلال مراجعة لجنة التسعير التلقائي القادمة التي تعقد 4 مرات في العام، وذلك نتيجة تغيير أسعار الصرف. في حال استمرار أسعار المواد البترولية عند المستويات الحالية محلياً من المتوقع ارتفاع قيمة فاتورة دعم المواد البترولية لتتخطى حاجز 100 مليار جنيه في السنة المالية الحالية 2022-2023”.
قفز دعم المواد البترولية في مصر إلى 31 مليار جنيه خلال الربع الأول من السنة المالية 2022-2023، بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية، في الوقت الذي كانت تستهدف الحكومة وقوفه عند 28 مليار جنيه خلال كامل العام المالي الجاري الذي ينتهي في يونيو المقبل.
كانت فاتورة دعم الوقود في الحساب الختامي لميزانية مصر 2021-2022 بلغت 59 مليار جنيه، بزيادة 212% عن السنة المالية 2020-2021 التي سجلت 18.9 مليار جنيه.
فجوة التمويل
برنامج الإصلاح المصري يستهدف تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي والقدرة على تحمل الديون وأعبائها، التي بلغت في العام المالي الحالي 155 مليار دولار و40 مليار على التوالي، كذلك يستهدف البرنامج تمتع البلاد ووضعها النقدي بالمرونة للصدمات الخارجية، ووضع الأساس لنمو دائم وشامل غني بفرص العمل، والتخفيف من الضغوط الاقتصادية على المدى القريب، وحماية الاستدامة المالية.
يأتي ذلك في ظل تضرر الاقتصاد بشدة من تداعيات حرب أوكرانيا وارتفاعات أسعار السلع الأساسية، التي زادت من الضغوط التي سبق أن تعرض لها الاقتصاد بسبب أزمة كورونا.
تواجه مصر فجوة في التمويل تبلغ 5 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2023, من المقرر أن تسد الحكومة مليارين منها عبر بيع للأصول. بينما ستحصل الدولة على نحو مليار دولار من البنك الدولي ومليار من بنك التنمية الصيني. وستتوزع باقي المبالغ بين صندوق النقد العربي وبنك التنمية الأفريقي والبنك الآسيوي للاستثمار.
تلتزم مصر في برنامج الإصلاح بمرونة سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية وعدم التدخل لتثبيته باستخدام احتياطي النقد الأجنبي، بما يساعد في التخفيف من تأثير الصدمات الخارجية، وتجنب الاختلالات المستقبلية في سعر الصرف الحقيقي، ويدعم القدرة التنافسية للصادرات.
بالإضافة إلى توقف البنك المركزي المصري عن التوفير المباشر للعملات الأجنبية من الاحتياطيات للجهات الحكومية، بما يسمح بانعكاس هذا الطلب في سوق العملات الأجنبية بين البنوك، بجانب عدم منح أية إعفاءات للبنوك التجارية التي تخالف حدود المركز المفتوح لصافي العملات الأجنبية، وفرض عقوبات على أي بنوك مخالفة لهذه الحدود.
نوّه المستشار السابق للصندوق فخري الفقي بأن مصر “أوفت بالتزاماتها بما يُسمّى بالإجراءات المسبقة للموافقة على القرض، بما في ذلك تحرير سعر الصرف”. لكنه رأى أن “التأكد من مرونته يتم اختبارها بعد القضاء على السوق الموزاية”.
أوضح الفقي أن “الصندوق سيتابع مرونة سعر الصرف عن كثب.. لكن ليس بالمقارنة مع الدولار فقط، بل مع مؤشر يضم الذهب وعملاتٍ رئيسية، ضمن سلّة سيقوم البنك المركزي بالإفصاح عنها خلال أشهر قليلة”. مؤكداً أنه “لن يتمّ بعد اليوم استخدام الأموال الساخنة لتثبيت سعر الصرف كما كان يحدث سابقاً”.
هوى الجنيه المصري نهاية الاسبوع الماضي، ليتجاوز 32 جنيهاً مقابل الدولار، ليهبط بذلك أكثر من 29% خلال أسبوع واحد فقط، منذ سماح البنك المركزي المصري للعملة بالتحرك مجدداً مقابل الدولار، وفقاً للاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يترك السعر مرناً وفقاً للعرض والطلب.
كان ذلك قبل أن يتراجع يوم الأحد إلى مستوى 29.55 جنيه للدولار بحلول الساعة 1044 بتوقيت غرينتش.
يأتي التراجع المستمر للجنيه، في وقت تعاني فيه مصر شحاً شديداً في العملة الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية في فبراير، ورفع أسعار الفائدة الأميركية على مدار العام الماضي، ما أدّى إلى خروج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة الأجنبية المستثمرة بأدوات الدَّين.
السياسة المالية
شمل برنامج الإصلاح المصري مع صندوق النقد الدولي، إبطاء تنفيذ المشاريع العامة خاصة القومية منها، للحد من الضغوط على سوق الصرف الأجنبي، وعدم تخطي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 92.1% بنهاية يونيو 2023، على أن ينخفض إلى 83% بنهاية البرنامج في 2026-2027، وإذا زاد الدين عن الهدف ستتخذ الحكومة إجراءات منها ترشيد الإنفاق، وتعبئة الإيرادات، وبيع الأصول العامة.
التزمت مصر بحسب التقرير المعلن من صندوق النقد، بالعمل على سن قانون جديد لضريبة الدخل على المدى المتوسط يستهدف معالجة الثغرات وتبسيط الإجراءات بما فيها المكاسب الرأسمالية والدخل المهني وإلغاء الإعفاءات.
كشف التقرير أن مصر ستقوم بنشر تقرير شامل للضرائب سنوياً يشمل الإعفاءات لجميع الجهات والهيئات بما فيها الشركات المملوكة للجيش، والشركات العاملة بالمناطق الاقتصادية الحرة وجميع المؤسسات المملوكة للدولة، وشركات القطاع العام، والأعمال العام، والمشاريع المشتركة، والشراكات.
يشكو بعض رجال الأعمال في مصر من عدم قدرتهم على منافسة الشركات الحكومية في البلاد في ظل تمتعها بالعديد من المزايا والحوافز. ومنذ أن تولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حكم البلاد في 2014، أطلق مشاريع قومية ضخمة للبنية التحتية على رأسها العاصمة الإدارية الجديدة.
ومن ضمن التعهدات لصندوق النقد، ستدرج مصر حصيلة بيع الأصول للصناديق السيادية في حساب خاص بالبنك المركزي لزيادة صافي الاحتياطيات، مع توجيه 25% على الأقل من عائدات بيع استثمارات الشركات المملوكة للدولة إلى ميزانية الدولة، و50% على الأقل من عائدات تصفية الشركات الأخرى المملوكة للدولة إلى الميزانية.
المصدر: الشرق – دبي
موضوعات تهمك: