ماذا تخفي سخرية ترامب من الملك سلمان؟
- رواية مسيّسة ومغلوطة لصالح سياسة ترامب تجاه السعودية ولصالح سياسة وليّ عهد الملك الذي تجري السخرية منه.
- خيطا ترامب المتناقضان: «هبات» أمريكية للسعودية؛ وشراء السعودية بمئات المليارات من بلاده، كلاهما زائف وكاذب! فماذا نستنتج من محادثته تلك؟
- نموذج ترامب لحكم يستحقه العرب والمسلمون: حكومة مطلقة وفاسدة تحارب الديمقراطية وتنتهك حقوق البشر.
- إذا كانت السعودية لا تنفذ «الصفقات» الكبرى المزعومة فهي تدعم «صفقة القرن» والجنرالات والطغاة والفاسدين ببلاد العرب والمسلمين.
* * *
على طريقته المسطّحة قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم السبت الماضي بتقديم «حكاية» جديدة لتوصيف طبيعة علاقته مع ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، وكذلك لتقديم صورة للعلاقة بين بلاده والمملكة.
كان في رواية ترامب التهريجية سخرية واضحة ومقصودة من العاهل السعودي وكذلك من بلاده. لكنّ هذه السخرية التي تلعب على التنميطات الإعلامية العامّة حول العرب والمسلمين عموما، عبر القول إن السعودية بلاد «ليس فيها غير المال»، تلعب أيضاً على مجموعة من الأوتار التي تعجب الجمهور الأمريكي (وربما الجمهور العام في العالم).
لكنها، في الوقت نفسه، تقدّم رواية مسيّسة ومغلوطة هي في النهاية لصالح سياسة ترامب تجاه السعودية، وكذلك لصالح سياسة وليّ عهد الملك الذي تجري السخرية منه.
يقول ترامب خلال المحادثة الهاتفية التي يشير إليها إن الجيش الأمريكي يقدّم معونات للسعودية رغم أن تلك البلاد «ليس لديها سوى المال»، وأنه طلب المال من الملك لهذا السبب!
فرد عليه متسائلا لماذا لم يتصل به أحد (من الرؤساء الأمريكيين) لطلب المال (على اعتبار أن ذاك المال السعودي «الفائض» هو حقّ شرعيّ للأمريكيين لكن رؤساءهم لا يطالبون به)، وأن ترامب رد: هذا لأنهم أغبياء!
في المكالمة المزعومة نفسها يقول إن بعض الأمريكيين يريدون من واشنطن قطع العلاقات مع السعودية (والحقيقة أن المطالبات تتركز على الضغط عليها في خصوص انتهاكات حقوق الإنسان والمرأة وحرب اليمن وقضية خاشقجي)..
ولأن كلامه الأول عن «هبات» الجيش الأمريكي للسعوديين يدعم فكرة الضغط فإنه لا يلبث أن يقول إن السعوديين «اشتروا منا بمبلغ 450 مليار دولار» ولهذا فإن ترامب «لا يريد خسارتهم».
تبين مراجعة الوقائع الحقيقية بين ترامب وسلمان، وبين واشنطن والرياض، أن ما قاله ترامب يصلح للعرض في برنامج «المبتدئ» التلفزيوني الذي كان يديره أكثر مما يصلح لوصف العلاقة الحقيقية بين البلدين والزعيمين.
في سفرته الأولى في أيار/مايو 2017 إلى السعودية قال ترامب إنه نجح في إبرام صفقة سلاح مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار.
والحقيقة، حسب ما تذكر «نيويورك تايمز» على لسان بروس رايدل، وهو ضابط استخبارات أمريكي سابق، فإن «الصفقة» كانت عبارة عن اتفاق غير ملزم يقول إن السعودية ترغب بإتمام صفقات سلاح سابقة، وقعتها مع إدارة الرئيس باراك أوباما، ومستقبلية بقيمة 112 مليار دولار.
وأنه بعد سنتين من تلك المقابلة فإن جزءا من الصفقة قيمته 2.4 مليار دولار تم التوقيع عليه، وأن «المساعدة» العسكرية الأمريكية قيمتها 10 آلاف دولار سنويا فحسب.
المعروف أن مجمل الصادرات من السلع والخدمات من أمريكا للسعودية عام 2018 كان قرابة 22.3 مليار دولار، أما كلام ترامب حول 450 مليارا فلا دليل واحدا عليه ولم يقدّم إلى البيت الأبيض أي مستندات تثبته.
وإذا اكتشفنا أن الخيطين المتناقضين اللذين عرضهما ترامب حول «الهبات» الأمريكية للسعودية، وحول شراء السعودية بمئات المليارات من بلاده، كلاهما زائف وكاذب، فماذا نستنتج من محادثته تلك؟
نستنتج طبعاً أن ترامب يقدم دفاعا شائنا عن سجلّ السعودية السياسي الفظيع لأنها، رغم سخريته منها ومن ملكها، هي نموذجه للحكم الذي يستحقه العرب والمسلمون:
حكومة مطلقة وفاسدة تحارب الديمقراطية وتنتهك حقوق البشر والنساء والأقليات، وإذا كانت لا تنفذ «الصفقات» التجارية الكبرى المزعومة، فهي تساهم، على الأقل، في دعم «صفقة القرن»، وتدعيم الجنرالات والطغاة والفاسدين في بلاد العرب والمسلمين.
المصدر | القدس العربي
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة