ماذا جرى قبل عامين؟ وكيف تراجعت الديمقراطية في بلاد العم سام؟
أمريكا تقدم نفسها للعالم مدافعا عن الحريات والديمقراطية ومبشرا بهما وبأهمية الانتخابات الحرة وانتقال وتبادل السلطة والحكم سلميا.
حاول أنصار ترامب منع مصادقة الكونغرس الجديد على فوز بايدن لأن ترامب رفض الإقرار بهزيمته وروج أن الانتخابات سُرقت منه، وأوقفوا السرقة!
اقتحم أنصار ترامب وبتحريض منه مبنى الكونغرس بواشنطن في اعتداء صارخ على الديمقراطية الأميركية، ويوم أسود بتاريخ الولايات المتحدة.
* * *
بقلم: د. عبد الله خليفة الشايجي
لم أكن أتصور أو أتوقع أن أكتب عنوان هذا المقال قبل عامين! كيف أكتب ذلك، وأمريكا تقدم نفسها لشعبها والعالم ومحبي الحريات والديمقراطية التي تدافع عنها أمريكا فيما تعرفه منذ أكثر من قرنين بعبء الرجل الأبيض دفاعاً والتبشير بالحريات والديمقراطية وأهمية الانتخابات وانتقال وتبادل السلطة والحكم بشكل دائم وبطرق سلمية.
لكن حتى قبل تحريض ودعم ترامب الخاسر أنصاره اقتحام الكونغرس، أشارت صحيفة واشنطن بوست التي تأسست قبل 145 عاماً والمؤثرة في الولايات المتحدة شعارها: “تموت الديمقراطية في الظلام” كناية عن رفض السرية.
وكانت واشنطن بوست كشفت فضيحة ووترغيت عام 1974 وقادت لإجبار الرئيس نيكسون على الاستقالة، بعد فضيحة تنصت لجنة الحزب الجمهوري على خطط انتخاب الرئاسة للحزب الديمقراطي بعلم الرئيس نيكسون! لكن ماذا جرى قبل عامين؟ وكيف تراجعت الديمقراطية في بلاد العم سام؟
صادف 6 يناير 2023 الذكرى الثانية لاقتحام مناصري الرئيس ترامب وبتحريض منه كما اثبتت المقابلات والرصد والشهود في لجنة التحقيق باقتحام مبنى الكونغرس في واشنطن في اعتداء صارخ على الديمقراطية الأميركية، ويوم أسود بتاريخ الولايات المتحدة.
وذلك لمنع مصادقة الكونغرس الجديد، أُنتخب في نوفمبر 2021 بعد فوز الرئيس جو بايدن وهزيمة الرئيس السابق الخاسر دونالد ترامب الذي رفض الإقرار بهزيمته وروج مع أنصاره أن الانتخابات سُرقت منه، وأوقفوا السرقة! تم اعتقال 900 منهم وجرت محاكمة وإدانة 300.
لكن ما تسبب به اقتحام الكونغرس هو خرق فاضح لسجل انتقال السلطة من إدارة إلى أخرى على مدى 220 عاما بسلاسة وسلام، أوصلت 45 رئيساً للولايات المتحدة الأميركية-بينهم الرئيس ترامب نفسه، بينما هو نفسه رفض الاعتراف بهزيمته وفوز الرئيس بايدن.
حتى رفض تهنئة الرئيس بايدن والمشاركة وحضور حفل تنصيب الرئيس بايدين كما هو العرف والبروتوكول. بل تمادى ترامب بكيل الاتهامات للديمقراطية الأميركية، ليصف الديمقراطية الأميركية بديمقراطية العالم الثالث والانتخابات الرئاسية بالمزورة!
اتهامات صادمة وغير موثقة وبلا دليل. ولكنها تركت انطباعاً سلبياً وصادماً لدى أغلبية الأميركيين وأنظمة ودول وشعوب العالم وهم في ذهول-ولا يصدقون انحدار الديمقراطية الأميركية لمستويات شبيهة بجمهوريات الموز والأنظمة الديكتاتورية لدولة دأبت على إلقاء محاضرات على الدول بأهمية ووجوب ممارسة الديمقراطية وحق الاختيار واحترام نتائج صناديق الاقتراع.
حتى وصل الأمر بالولايات المتحدة الأميركية في مرات عديدة بفرض عقوبات ووقف المساعدات باشتراط احترام حقوق الانسان وإجراء الانتخابات والاعتراف بنتائجها.
الصادم أن ما تعشيه الولايات المتحدة الأميركية منذ عامين غير مسبوق في انحدار وتراجع مكانة واحترام الديمقراطية ونتائج صناديق الاقتراع. وقد نجحت الاعيب وترويج ترامب كذبة سرقة الانتخابات الرئاسية منه، في الذكرى السنوية الأولى لاقتحام مبنى الكونغرس الأميركي- بإقناع حوالي 40% من الأميركيين، وثلثي الجمهوريين-يسمون ماغاترامب (MAGATrump)، أن الانتخابات سُرقت منه، والرئيس بايدن رئيس غير شرعي في أمريكا!
أكد التقرير النهائي للجنة 6 يناير 2021-التي اختتمت تحقيقها وأعمالها نهاية عام 2022-أن شخصا واحدا حرض ومسؤولا عن اقتحام مبنى الكونغرس هو الرئيس السابق دونالد ترامب الخاسر والذي يرفض الإقرار بهزيمته.
وقدمت اللجنة للجمهور ووزارة العدل أدلة وبراهين قاطعة تثبت تورط ترامب-و«أنه لم يكن للهجوم والاعتداء على مبنى الكونغرس ليحدث لولا تحريض شخص واحد، هو ترامب». كما أن ادعاءات ترامب بتزوير وسرقة الانتخابات الرئاسية منه، كما يزعم ساهم بالتبرع لمنظمته جمع حوالي 250 مليون دولار لتنفق على مصاريف حملته القضائية ليثبت التلاعب بنتيجة الانتخابات، لكنه ما لم ينجح في إثباته! ما مصير الربع مليار دولار؟
الكرة والأدلة اليوم في ملعب وزارة العدل لمحاكمة ترامب على التهم العديدة المسؤول عنها وإدانته وسجنه. ولكن يخشى من تفجر احتجاجات وعنف واتهام إدارة بايدن بالانتقام من ترامب، بعد إعلانه قبل شهر ونصف ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2024.
يثير تراجع حالة الديمقراطية في أمريكا تساؤلات كثيرة حول انعكاساتها على النظام والمجتمع. فاز الديمقراطيون في انتخابات الرئاسة والكونغرس عام 2020-وسيطر الديمقراطيون على البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ بأغلبية ضئيلة.
ومجدداً أتت نتيجة انتخابات الكونغرس التي جرت في نوفمبر الماضي لتؤكد استمرار الانقسام السياسي في النظام الأميركي، ما عمّق الانقسام السياسي والمجتمعي-بالكاد انتزع الجمهوريون الأغلبية في مجلس النواب 222 جمهوريا ل212 ديمقراطيا.
بينما احتفظ الديمقراطيون بأغلبيتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ 51-49 بزيادة مقعد واحد. والملفت في نهاية العام الثاني من رئاسة الرئيس بايدن، حسب استطلاعات الرأي-70% من الأميركيين يرون أن الولايات المتحدة تتجه بالاتجاه الخاطئ!
شهدت أمريكا على مدى أسبوع شللا كاملا في مجلس النواب وعمل السلطة التشريعية، حيث لم يتم انتخاب رئيس مجلس النواب إلا بعد الجولة 15 على مدى 4 أيام، في أسوأ مأزق سياسي منذ 164 عاماً بسبب صراع وخلافات داخل مؤسسة الحزب الجمهوري، لينتخب كيفن ماكارثي أضعف رئيس بعد تقديمه تنازلات للجناح اليميني المتمرد في الحزب الجمهوري! مطالبين بتنازلات من ماكارثي وعلى رأسها حق طرح الثقة برئيس مجلس النواب بطلب من نائب واحد.
ما يضع رقبة رئيس مجلس النواب بيد جماعة متطرفة قد تسقطه بأي لحظة لا ينفذ مطالبهم غير الواقعية. وهذا ينعكس سلباً على الرئيس السابق ترامب الذي يأفل نجمه ويتراجع نفوذه داخل الحزب الجمهوري. وسط مخاوف من تعميق الانقسامات داخل حزبه الجمهوري المتصدع، وبين الحزبين!
التساؤل المشروع إذا فشل الحزب الجمهوري عن انتخاب رئيس لمجلس النواب برغم أغلبيتهم إلا بعد 15 جولة انتخابات! كيف يثق الناخب الأميركي بقدرتهم على تمرير قوانين تساعد وتحمي الناخبين لمواجهة الوضع الاقتصادي الصعب والتضخم وارتفاع الأسعار؟!ويضيع الكونغرس الجديد وقته بلجان تحقيق! ما سيعمق مأزق الديمقراطية الأميركية!
*د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر: الشرق – دبي
موضوعات تهمك: