بقلم: دوناتيلا روفيرا
منازل محروقة ومهدمة وعائلات ثكلى، كان هذا هو نفس المشهد تماما الذي تكرر في قرية تلو أخرى من قرى منطقة جبل الزاوية في سوريا، التي تقع شمال غربي مدينة حماه المركزية. وصفت لنا هذه العائلات الأعمال الوحشية التي ارتكبها الجنود السوريون بالقول إنه كان يتم اقتياد أقاربهم من مختلف الأعمار إلى أماكن بعيدة وإطلاق النار عليهم وإضرام النيران في أجسادهم، في كثير من الأحيان، مما يجعلهم بشكل حرفي جزءا من سياسة «الأرض المحروقة» للجيش السوري.
لقد تحدثت مع بعض الناس الذين ينتابهم الذعر من مغادرة منازلهم. تنتشر مواقع الجيش السوري في أعلى التلال المحيطة بالقرى الموجودة في هذه المنطقة، بينما توجد نقاط التفتيش الخاصة بالجيش على كل الطرق الرئيسية. يشعر السكان المحليون بالرعب والذعر حتى في المناطق التي تخضع للسيطرة الظاهرية للمعارضة المسلحة، حيث يدركون جيدا أنه من الممكن أن يعيد الجيش تكرار الهجوم الواسع النطاق الذي شنه على مدينتي حمص ودرعا في الأشهر القليلة الماضية.
يتساءل الجميع هنا: لماذا تخلى عنا العالم بأسره؟
بعد مضي أكثر من عام على اندلاع الثورة السورية، فشل الزعماء الدوليون في الاتفاق على خطة عمل فعالة لتقديم الإغاثة وحماية المدنيين السوريين الذين ما زالوا مستهدفين بلا رحمة من قبل القوات الحكومية لأنهم تجرأوا على الدعوة لإسقاط الرئيس بشار الأسد ونظامه القمعي. تعرض المئات من المتظاهرين السلميين المطالبين بالإصلاح إلى القتل رميا بالرصاص، فضلا عن الآلاف الآخرين الذين تعرضوا للإصابة أو تم إلقاء القبض عليهم.
أحصت منظمة العفو الدولية مقتل أكثر من 9.400 شخص في سوريا منذ قيام القوات الحكومية بإطلاق النار على المتظاهرين لأول مرة في شهر مارس (آذار) من عام 2011، فضلا عن مقتل أكثر من 1.300 شخص منذ بدء مهمة مراقبي الأمم المتحدة في يوم 14 أبريل (نيسان) 2012.
يتمثل أحد أوجه القصور الرئيسية في مهمة المراقبين الدوليين، التي جاءت كجزء من خطة النقاط الـ6 التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة، كوفي أنان، في عدم وجود تفويض للمراقبين لرصد انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وبالنظر إلى رفض الحكومة السورية السماح لمنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية – بما في ذلك لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا التي تأسست في أواخر العام الماضي – بالدخول غير المقيد إلى البلاد، تزداد الحاجة إلى ضرورة قيام الأمم المتحدة برصد هذه الانتهاكات والتحقيق فيها.
تؤكد وفاة 108 أشخاص في بلدة الحولة السورية قبل أيام، جراء وابل من القذائف وقذائف «الهاون» والصواريخ التي أطلقها الجيش السوري، فضلا عن الغارات التي شنها على المناطق السكنية، أن بعثة مراقبي الأمم المتحدة ينبغي أن تقوم بالتحقيق في المزاعم حول حدوث انتهاكات من كلا الجانبين.
يستطيع مراقبو الأمم المتحدة تمرير معلومات شديدة الأهمية للمحققين، بمن في ذلك المحققون التابعون للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا. وحيث إنه لم يحدث توافق دولي حول ما ينبغي القيام به في سوريا حتى الآن، يشعر هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بارتكاب أعمال العنف والدمار بالراحة للاستمرار في أفعالهم كما لو كانوا فوق القانون. تغذي حالة التراخي الحالية الشعور بالسخط المنتشر بين السكان، الذين يشعرون بأن العالم قد تخلى عنهم. وعلى الرغم من حالة الذعر التي تنتاب الأشخاص الذين أجريت معهم بعض اللقاءات، يؤكد هؤلاء الأشخاص رغبتهم في أن يعلم العالم ماذا يحدث هنا.
وفي إحدى القرى التي تقع شرق بلدة إحسم – التي تقع أيضا إلى الشمال الغربي من مدينة حماه – أخبرتني إحدى السيدات كيف قام الجنود بإطلاق النار على جارها، وهو أب لـ8 أطفال، الذي كان في أواخر الخمسينات من عمره، ثم قاموا بعد ذلك بإضرام النار في جسده.
تضيف المرأة: «قام الجنود بسحبه إلى منزل حجري قديم وصغير يتكون من غرفة واحدة ويقع في أحد بساتين الفاكهة، ثم سمعت أصوات إطلاق النار. وبعد أن غادر الجنود، أخذ الدخان الكثيف يتصاعد من المنزل، ثم هممت مع أقربائي لإخماد الحريق، ظنا منا أن الجنود قد أخذوا جارنا معهم. كان الدخان كثيفا لدرجة جعلتنا عاجزين عن رؤية أي شيء، ولكننا عندما قمنا بإضاءة مصباح، وجدنا النار تشب في جسد جارنا وإلى جواره برميل الديزل كان موجودا في الغرفة».
وفي نفس اليوم، قام الجنود بإعدام 6 قرويين، من ضمنهم رجل يبلغ من العمر 72 عاما مع ابنه. وفي منزل تحت الإنشاء يقع على مشارف القرية، حيث تم العثور على جثتي الرجل وابنه، خلفت الطلقات النارية 16 ثقبا في الحائط قمت بعدها بنفسي.
لقد نما إلى علمي الكثير من الأعمال الوحشية التي جرت في سوريا، ففي قرية مشامشان، أصابت إحدى القذائف منزل عائلة يوسف في الأول من شهر مايو (أيار) الماضي، مما أسفر عن مقتل 7 من أفراد عائلته وإصابة عدة أشخاص آخرين. وفي قرية قوقفين، لقيت مريم القاضي، ابنة الـ5 أعوام، حتفها في يوم 12 مايو عندما أصاب منزلها وابل النيران الذي أطلقته قوات الجيش المتمركزة في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى إصابة ابن عمها (10 سنوات)، وعمها (70 عاما).
وبالإضافة إلى ذلك، هناك بعض القصص الأخرى حول التعذيب التي يرويها الأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال، حيث نجح الأشخاص الذين تمكنوا من الهرب في الخروج بعظام مكسورة وأسنان مفقودة وندبات عميقة وجروح مفتوحة نتيجة التعرض للصعق بالتيار الكهربائي والضرب. يعد الاعتقال والضرب مصير أي شخص يشتبه في دعمه للمعارضة، حتى ولو بصورة ضئيلة، ولكن الكثير من هؤلاء الضحايا، ومعظمهم من الشباب، لم يكونوا نشطاء سياسيين في الماضي، بل كانوا من مؤيدي الحكومة.
وخوفا من أن يتعرضوا للقتل أو الاعتقال، يبقى الكثير من الرجال بعيدين عن نقاط التفتيش الخاصة بالجيش، حيث يبدو أن هذا الشعور المنتشر بالخوف قد ترسخ في نفوس الناس، نظرا للزيادة الكبيرة في أعداد الأشخاص الذين تم إعدامهم في الأشهر الماضية.
ينبغي على العالم إرسال رسالة إلى سوريا مفادها أن هذه الأعمال الوحشية لن تستمر. يعتبر حصول بعثة مراقبي الأمم المتحدة على تفويض بمراقبة الأوضاع في سوريا خطوة أولى حاسمة لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
——————-
* كبيرة مستشاري برنامج مواجهة الأزمات في منظمة العفو الدولية، وقد تجولت داخل سوريا مرات كثيرة خلال الشهرين الماضيين.