لماذا يخاف المستبدون؟
-
لماذا الحكومات يتوطن بها الخوف من احتمال إفلات المواطن من قبضتها؟!
الحكومات الفاشية نهمة لمعرفة أدق تفاصيل حياة المواطن وتجهيله بحقائق الأوضاع ببلاده وتشويه وتزييف وعيه كأداة إضافية للسيطرة بجانب القمع!
خوف الفاشيات والنظم السلطوية يرتبط بحضور الظلم وغياب العدل وتراكم انتهاكات الحقوق وانتقاص الحريات.
تدرك الفاشية والسلطوية عبر أجهزتها الأمنية والاستخباراتية حقيقة وجود حدود قصوى لفاعلية القمع والتعقب.
تعول الحكومات الفاشية والنظم السلطوية بشكل أحادي على المكون العسكري الأمني للسيطرة والضبط.
بقلم: عمرو حمزاوي
رغم نهم الحكومات الفاشية والنظم السلطوية لاحتكار المعلومة ولمعرفة كافة وأدق تفاصيل حياة المواطن ونزوعها لتجهيل الأخير بحقائق الأوضاع في دولته ومجتمعه وتشويه وتزييف وعيه كأداة إضافية للسيطرة بجانب القمع، إلا أن تلك الحكومات والنظم يتوطن بها الخوف من احتمالية إفلات المواطن من قبضتها وتشعر دوما بخطر هبات أو انتفاضات أو ثورات الناس ضدها.
ولذلك سببان رئيسيان، وله العديد من التداعيات الكارثية:
أما السبب الأول لتوطن الخوف في الفاشيات والنظم السلطوية فيرتبط بحضور الظلم وغياب العدل وتراكم انتهاكات حقوق الإنسان والانتقاص من الحريات.
بغض النظر عن تفاوت صنوف الانتهاكات من جرائم إبادة واسعة النطاق إلى جرائم التعذيب والمعاملة غير الإنسانية للمعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والكثير الآخر فيما بينهما، وبمعزل أيضا عن مدى الانتقاص من الحريات وإن كان يقف عند الأفراد والمجموعات السياسية المعارضة أم يطال قطاعات شعبية وحركات اجتماعية، تظل مآلات الظلم وغياب العدل والانتهاكات هي انهيار الحكومات التي تتورط بها وسقوط الشعوب في غياهب التأخر والاحتراب الأهلي وتعاسة المواطن.
اقرأ/ي أيضا: متى يبعد عن عروبتنا الإستبداد ويختفى!
لهذا تتحسب الحكومات التي لا تتورع عن قتل الناس إن هم طالبوا بالتغيير السلمي وتداول السلطة، ولهذا يتحسب الملوك والرؤساء الذين يسيطرون على نظم سلطوية تتعقب هنا معارضيها بالمناشير وتنكر هناك وجود معتقلين سياسيين.
ويتمثل السبب الثاني لتوطن الخوف في الفاشيات والنظم السلطوية في إدراكها، خاصة عبر أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، لحقيقة وجود حدود قصوى لفاعلية القمع والتعقب ولكفاءة أساليب الاستتباع واستراتيجيات تشويه وتزييف الوعي العام ولنهم مراقبة المواطن واحتكار المعلومة.
مهما بلغ عتو الفاشيات ومهما تصاعد عنف النظم السلطوية، يشكل واقع الظلم وغياب العدل دافعا لبعض المواطنين إما إلى التحول تدريجيا من مؤيدين (تهليلا أو صمتا) إلى خائفين متراجعين أو من رافضين سلبيين للظلم إلى معارضين له وباحثين بفاعلية عن بدائل.
لهذا يتحسبون. ولنا في الانتفاضات الديمقراطية 2011 التي تلت عقودا طويلة من القمع في تونس ومصر وسوريا واليمن وفي الحراك الراهن في السودان ضد الانتهاكات والإخفاقات المتراكمة لحكومة عمر البشير دلائل واضحة.
أما التداعيات الكارثية لتوطن الخوف والشعور الدائم بخطر الهبات والانتفاضات والثورات الشعبية، فتتعلق من جهة بكون الخوف يرتب تورط الفاشيات والنظم السلطوية في المزيد من القمع تجاه المواطنين ويزج بها من ثم إلى متوالية لعينة من عنف يتصاعد وظلم يعم وانهيار لمؤسسات الحكم وتأخر للشعوب وللمجتمعات.
اقرأ/ي أيضا: هل انتصر بشار الأسد؟!
من جهة أخرى، رغم أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تدرك عادة وقبل غيرها من المؤسسات والأجهزة الرسمية الحدود القصوى لفاعلية القمع، تتورط الحكومات الفاشية والنظم السلطوية في التعويل الأحادي على المكون العسكري ـ الأمني للسيطرة وللضبط.
وتضعف بشدة المؤسسات المدنية التي هي وحدها القادرة حين تتعافى وتستقر على إنجاز التقدم والسلم الأهلي والتمهيد لتحولات ديمقراطية.
كذلك يتواكب التورط في انتهاكات حقوق الإنسان والحريات مع فرض قيود عدة على مساحات فعل وعمل المنظمات الحقوقية ومبادرات المساعدة القانونية والدفاع عن الضحايا ومع الضغط المستمر على الأصوات والأقلام الرافضة للانتهاكات والمطالبة بالكشف عنها ومحاسبة المتورطين فيها وتعويض الضحايا وأسرهم.
ومثلما تدلل الخبرات العربية الراهنة، يستدعى التمرير السياسي والمجتمعي لهذا التوجه غير الديمقراطي تشويه منظمات حقوق الإنسان والحريات وإلصاق اتهامات الخيانة والعمالة الزائفة بها وتصعيد الحملات الإعلامية ضدها كلما سجلت رفضها للانتهاكات ودعت إلى التحقيق والمساءلة والمحاسبة.
ويستلزم، من جهة أخرى، التشكيك في مصداقية الفلسفة العالمية لحقوق الإنسان وبناء تناقض زائف بينها وبين ما يروج له كقيم «أصيلة» (وطنية كانت أو دينية أو قبلية).
فتطرح في وسائل الإعلام المدارة أمنيا واستخباراتيا السيادة كقيمة وطنية، ويدعى زيفا أن المدافعين عن حقوق الإنسان يتجاهلونها ويروجون للتدخل الخارجي في شؤون البلاد كلما طالبوا بمحاسبة المتورطين في الانتهاكات.
اقرأ/ي أيضا: لماذا لا يتعلم الطغاة؟!
ويخرج على الناس صنوف من المتورطين في تزييف الوعي العام من مدعى الانتماء لليبرالية أو اليسار، وبهدف بناء التناقض مع القيم الدينية والتقليدية، باتهامات عبثية للمدافعين عن حقوق الإنسان كعناصر شاذة همها الوحيدة الدفاع عن «حقوق المثليين جنسيا» والترويج لنمط الحياة الغربي.
يمسك الخوف بتلابيب المستبدين، ويزجون هم بحثا عن أمان مراوغ بدولهم ومجتمعاتهم إلى مدارك الوهن والتأخر وتزييف الوعي العام.
المصدر: القدس العربي – لندن
عذراً التعليقات مغلقة