بقلم: طارق الحميد
يبدو أن الروس يزيدون من تمسكهم ببشار الأسد اليوم أكثر من أي وقت مضى، والدليل على ذلك أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يقول في مؤتمره الصحافي مع نظيره الإيراني بطهران إن موسكو مستعدة لعقد الاجتماع الخاص بسوريا ولو خارج روسيا نفسها، وبأي مكان تريده الأطراف الفاعلة!
وهذا بحد ذاته يعد مؤشرا على أن موسكو ليست حريصة على عقد الاجتماع فقط، بل هي مستميتة من أجل ذلك، والآن أكثر من أي وقت مضى، وإلا فكيف تدعو موسكو لمؤتمر خاص بسوريا ثم تقول، وبلا «ثمن»، إنها توافق على عقده بأي مكان آخر؟ أمر مثير للريبة بالطبع! خصوصا أن الاعتراض ليس على مكان المؤتمر الخاص بسوريا، بل على من سيشارك فيه، بحسب المواقف الدولية، وتحديدا إيران الشريك الفعلي مع روسيا في دعم طاغية دمشق. ولذا فإن تصريحات لافروف عن استعداد بلاده لعقد مؤتمر سوريا بأي مكان ما هي إلا مؤشر على الحرج الذي تقع فيه موسكو الآن، حيث إن الأوضاع على الأرض في سوريا تدل على أن الأسد بات يفقد السيطرة، وبات في حكم المؤكد أنه ليست لديه المقدرة على استعادة الأوضاع هناك، ناهيك عن إعادتها إلى ما كانت عليه، فجميع المؤشرات تقول إن الأسد ساقط لا محالة، وتبقى المسألة في: كيف ومتى؟ هل سيكون انقلابا أم انهيارا مفاجئا؟
كل ذلك من شأنه أن يشكل ضربة قاسية لروسيا، آنيا ومستقبلا، خصوصا أن موسكو قد شرعت باب التفاوض حول مستقبل الأسد، ومضى وقت دون أن يتقدم «مشتر» مما يعرض بضاعتها في سوريا للبوار، خصوصا، وكما أسلفنا، فإن الأوضاع على الأرض ليست في مصلحة الأسد، وبالتالي فإن سقوط الأسد بشكل مفاجئ، أو انهيار الأوضاع في سوريا، من شأنه أن يفقد موسكو ورقة مهمة هناك، فحينها لن يكون بمقدور موسكو تأمين مصالحها في سوريا، كما لن تكون لكلمتها قيمة. وربما لهذا نفهم سعي موسكو لضم إيران إلى المؤتمر الخاص بسوريا، حيث تريد روسيا المتاجرة بإيران في لعبة التفاوض حول مستقبل الأسد. فطهران هي التي يملك أوراق الضغط المباشر على الأسد، وقد يكون من مصلحة طهران الآن توفير بديل للأسد يخدم مصالحها في سوريا، أما موسكو فهي لا تملك اليوم إلا ورقة مجلس الأمن التي تلوح بها لطرفي النقيض، سواء المجتمع الدولي أو الأسد نفسه ومعه إيران أيضا، فقوة موسكو اليوم هي الفيتو بمجلس الأمن، لكن المؤشرات على الأرض تضع موسكو في حرج شديد بكل تأكيد، وقد تحرم روسيا من «ثمن» سقوط الأسد.
ومن هنا فإن أوراق موسكو اليوم باتت مهددة، وقد لا تستفيد منها، خصوصا مع مضي الوقت، وبعد فشل مهمة أنان، ولذلك يمكن فهم تصريحات لافروف حول إمكانية عقد مؤتمر سوريا خارج روسيا بأن موسكو باتت تستشعر خطورة الأوضاع على الأرض، وليس دليل مرونة سياسية روسية، أو براغماتية. ولذا فإن موسكو تحاول اليوم، وبأي شكل، عقد مؤتمر سوريا، وبالتالي ضمان تحقيق الروس لمصالحهم الآنية والمستقبلية.