تركّزت في فاجعة الطفل المغربي ريان عناصر الحكايات الملحمية البشريّة.
تحوّل ريان إلى جنين في رحم الأرض، وبات عموم البشر الذين سمعوا أو قرأوا أو شاهدوا القصة، جزءا من أسرته.
تحوّل صوت الاستغاثة الضعيف نبضة كهربائية كبيرة مسّت عصب الإنسانية المطمور تحت طبقات قضايا السياسة والاجتماع والاقتصاد الأخرى، كاشفة الجانب المضيء في الروح البشرية.
* * *
تركّزت في فاجعة الطفل المغربي ريان عناصر الحكايات الملحمية البشريّة.
طفل في الخامسة من قرية إغران الجبلية الفقيرة في شمال المغرب يقع، وهو يلعب، في بئر شديدة الضيق، فيصمد رغم الجروح التي أصابته بنزيف في رأسه وكسور في الرقبة والعمود الفقري، وصعوبة التنفس في حفرة هشّة بعمق 32 مترا، والجوع والبرد، وفيما يستغيث بوالديه الملتاعين العاجزين عن المساعدة، فيسمع أهل القرية، ثم المحافظة والبلاد، والعالم، صوت الاستغاثة.
شكل الطفل الذي التقطته الكاميرا التي هبطت من عناصر الإنقاذ، بدا مثل صور الأجنّة التي يلتقطها أطباء التوليد لبطن المرأة الحامل. تحوّل ريان إلى جنين في رحم الأرض، وبات عموم البشر الذين سمعوا أو قرأوا أو شاهدوا القصة، جزءا من أسرته، وتحوّل صوت الاستغاثة الضعيف نبضة كهربائية كبيرة مسّت عصب الإنسانية المطمور تحت طبقات القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى، كاشفة الجانب المضيء في الروح البشرية.
أصبح الخبر موضوعا رئيسيا في وسائل إعلام عديدة، وشارك قادة سياسيون، وشخصيات ثقافية وإعلامية ورياضية في التعليق والأمل لريّان بالنجاة، وتقاطرت حشود، ووفود صحافية، من أنحاء المغرب والعالم، لتشهد عملية إنقاذ الطفل، وهتف الناس مكبّرين حين خرج الطفل على لوحة الإسعاف.
وحين غادرت روح ريّان اليانعة جسده الصغير أحس الملايين بالفاجعة، فقام الملك المغربي بعزاء الأبوين المكلومين، واتصل زعماء سياسيون للتعزّية، وصرّحت شخصيات دينيّة، مثل شيخ الأزهر، وبابا الفاتيكان، الذي شكر الشعب المغربي: «لقد حاولوا كل ما بوسعهم لكن للأسف لم ينج» وهتف الجمهور «ريّان حبيب الله» وبذلك غدا الطفل البريء شهيد المغرب والإنسانية.
بدلا من الانغلاق على قضاياهم ومآسيهم الخاصة، ذكّر ريان العرب بالقواسم المشتركة، فأدى فلسطينيون صلاة الغائب في المسجد الأقصى على روحه، وصلّى أطفال من غزة عليه ورفعوا صوره، وأظهر كثير من الجزائريين، الذين تشتبك حكومتهم سياسيا مع حكومة المغرب، التعاطف العابر للخلافات، وقام لاعبو كرة قدم في غزة بإجراء مباراة لتوديعه.
ورفع أطفال سوريون في مخيمات اللجوء صورا وأدعية له، ورسم رسامو كاريكاتير في العالم صورا للتعاطف مع الطفل، وكتب شاعر موريتاني قصيدة عن الـ»صغير بهذا الجب قد تاه خطوه/ فحوصر تحت الترب في ضيق نهجه» وانضم لهذا السياق مئات من المعلقين من قطاعات ثقافية وفنية ورياضية وسياسية.
تذكّر حكاية ريان في فاجعيتها بالطفل السوري الكرديّ إيلان، الذي طفت جثته الصغيرة على شاطئ البحر، وبحكاية الطفل الفلسطيني محمد الدرّة الذي لم ينقذه احتماؤه بصدر أبيه من رصاصات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتكشف هذه الحكايات الرمزيّة عناصر راكزة في النفس البشرية التي تهفو لحماية الطفل البريء من الأذى والشر.
وهو ما يحضر أيضا في القصص الدينية الشهيرة، من يوسف الملقى في غيابت الجبّ، ويونس الذي ابتلعه الحوت، وعيسى المولود في حظيرة فيما يحاول هيرودوت، الحاكم الروماني، قتله.
تذكّر القصة أيضا بأحوال أطفال العرب عموما، وخصوصا الذين يعانون ويلات الاحتلال والطغيان والقصف والجوع والتهجير، وتعيد، في المغرب وغيره، التذكير بارتباط قضايا التنمية بالعدالة الاجتماعية التي يفترض بمآس كهذه أن تفتح الباب لمناقشتها كي لا تكون مجرد قصة إعلامية كبرى.
وتذكر الحكومات بأولويات الجوار والتعاون، والمسؤولين بتقصيرهم نحو شعوبهم، والإنسانية بالعناصر المشتركة التي تربطنا.
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: