المرأة الصينية تعوقها مجموعة متنوعة من العوامل تشمل التوقعات الثقافية بأنها تفعل المزيد في المنزل، وهي بنية مهنية تجبرها على التقاعد قبل الرجل، تماماً كما قد تصل إلى ذروتها المهنية والتعليم والتنشئة الاجتماعية التي تثنيها عن الطموحات السياسية.
كانت هناك حملات قمع متكررة ضد النسويات، بما في ذلك اعتقال المحتجات على قضايا لا تتحدى بوضوح النظام السياسي مثل التحرش الجنسي، إذ أحرزت حركة “مي تو” تقدماً ضئيلاً في الصين.
منذ عام 2001 يطلب الحزب الشيوعي الصيني وجود امرأة واحدة في الأقل في منصب قيادي رفيع في كل مستوى، على رغم أن المطلب لا يمتد إلى المكتب السياسي.
“الأمر الوحيد الذي يمكننا مناقشته بأمان مع عدم وجود امرأة في القيادة، أن تمثيل قضايا المرأة سيكون ناقصاً”.
* * * *
على مدى سبعة عقود من الاضطراب والتغيير ظل شيء واحد في قيادة الصين من دون تغيير هو غياب المرأة عن سدة صنع القرار.
لا يزال الذكور يحكمون الصين فقط على رغم وجود حوالى 700 مليون امرأة من إجمالي تعداد السكان الذي بلغ 1.452 مليار نسمة حتى الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2022، بحسب إحصاءات “وورلد ميتر”.
وفي “الحقبة الجديدة” لـشي جينبينغ يظل الرجال مسؤولين عن الدولة وتظل النساء مهمشات في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.
أدار الحزب الشيوعي الصين لمدة 70 عاماً وفي ذلك الوقت لم تكن أي امرأة عضواً في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الصيني، وهي المجموعة الصغيرة التي تدير البلاد، ناهيك عن قيادة الحزب نفسه.
هذا الأسبوع في افتتاح المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الذي مدد حكم شي لخمسة أعوام أخرى، تقدم صف آخر من القادة الذكور إلى مسرح قاعة الشعب الكبرى لمواجهة جمهور يهيمن عليه الرجال مرة أخرى، بينما غابت النساء كالعادة.
ربما كان هناك عدد أكبر من المضيفات الشابات اللاتي يضعن فناجين الشاي بالماء الساخن، أكثر من المندوبات على الكراسي التي تستمع إلى شي.
أستاذة علم الاجتماع في جامعة “تسينغ هوا” الوطنية بتايوان هسيو هوا شين قالت لـ”ذا غارديان” إنه “تم استبعاد النساء الصينيات من مركز السلطة السياسية على المستويين المحلي والمركزي”، وأضافت “من دون إجراءات إيجابية محددة من الصعب جداً على المرأة الصينية أن تكون قادرة على دخول الأنظمة السياسية وتشكيل السياسات”.
نصف الوعد لنساء الصين
وأوضحت هسيو أن الحزب تشكل خلال حرب أهلية في مجتمع أبوي للغاية واستند إلى “العنف الذكوري” والصراعات على السلطة منذ إنشائه.
ويضم الحزب الشيوعي الصيني ما يقرب من 100 مليون عضو، لكن أقل من ثلث الرتبة هم من النساء والأرقام تتضاءل كلما ارتفعت مراتبهم أعلى.
وقالت كبيرة المحاضرين في الدراسات الصينية والآسيوية في جامعة “نيو ساوث ويلز” بان وانغ إن “الهيكل السياسي الأبوي في الصين يحد من صعود المرأة”، وأضافت “من أسفل الهرم إلى قمته، تحصل النساء على عدد أقل من الكراسي في كل خطوة من التسلسل الهرمي، من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني إلى مؤتمر الحزب واللجنة المركزية والمكتب السياسي، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحيز في عملية الترشيح والاختيار للمناصب القيادية في الحزب أو الدولة”.
ولفتت بان إلى أن المرأة الصينية تعوقها مجموعة متنوعة من العوامل تشمل التوقعات الثقافية بأنها تفعل المزيد في المنزل، وهي بنية مهنية تجبرها على التقاعد قبل الرجل، تماماً كما قد تصل إلى ذروتها المهنية والتعليم والتنشئة الاجتماعية التي تثنيها عن الطموحات السياسية.
ولطالما كان للحزب الشيوعي الصيني علاقة مضطربة مع النسويات ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الشيوعيين يدعون بأنهم حرروا النساء بأنفسهن وأصبح شعار ماو تسي تونغ مؤسس الصين “النساء ترفعن نصف السماء” مشهوراً باعتباره نصف تكريم ونصف الوعد لنساء الصين.
وهذا يجعل أي امرأة لا تزال تناضل من أجل حقوقها مدمرة، لا سيما في وقت لا يثق شي علانية بأي تنظيم مدني.
وكانت هناك حملات قمع متكررة ضد النسويات، بما في ذلك اعتقال المحتجات على قضايا لا تتحدى بوضوح النظام السياسي مثل التحرش الجنسي، إذ أحرزت حركة “مي تو” تقدماً ضئيلاً في الصين.
ومن بين الشخصيات البارزة في مؤتمر الحزب تشانغ قاولي نائب رئيس الوزراء السابق الذي اتهمته بطلة التنس بينغ شواي علناً بالاعتداء الجنسي العام الماضي.
واختفت بينغ لأسابيع بعد أن وجهت اتهامات لها على وسائل التواصل الاجتماعي وشوهدت في النهاية علناً بعد حملة دولية رفيعة المستوى تم تنظيمها تحت وسم “أين هي بينغ شواي؟”، لكنها ظلت قليلة الظهور منذ ذلك الحين وقالت إن منشورها أسيء فهمه، بينما لا يزال قاولي يقود المسرح السياسي.
أستاذة الديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة “ميشيغان” ماري غالاغر قالت “إن الحملات القمعية الأخيرة ضد الناشطات النسويات تشير إلى مزيد من الاتجاه التقليدي والمحافظ”.
وعلى رغم أن الشيوعية سهلت حصول المرأة على التعليم والانضمام إلى القوى العاملة، لكن كما هي الحال في عدد من البلدان الأخرى، كان لا يزال من المتوقع أن تقوم النساء بمعظم الأعمال المنزلية وهي “نوبة مزدوجة” متعبة وتحد من فرص العمل.
ومع أن انخفاض معدل المواليد في الصين على وشك دفع عدد السكان الذين يتقدمون في السن سريعاً إلى التراجع، إلى جانب الضغط المتزايد على الشباب لإنجاب مزيد من الأطفال، يخشى الأكاديميون والناشطون من أن ذلك قد يعوق آمال النساء في الحصول على مزيد من السلطة السياسية.
وقالت غالاغر “أخشى أن تحذو الصين حذو الدول الأخرى على المدى القصير وتقيد وصول النساء إلى الإجهاض ومنع الحمل كطريقة لإجبار النساء على إنجاب مزيد من الأطفال، في نهاية المطاف ستأتي هذه السياسات بنتائج عكسية وتفشل، لكنها ربما تزيد القمع على السياسات النسوية”.
امرأة واحدة فقط
المكتب السياسي المكون من 25 عضواً، وهو المستوى التالي للسلطة من اللجنة الدائمة، يضم في الوقت الحالي 24 رجلاً وامرأة واحدة، وتعتبر صن تشولان العضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني والنائب الثاني لرئيس الوزراء واحدة من ثلاث نساء فقط وصلن إلى القمة كمشغلات سياسيات في حد ذاته.
ولم تصل سوى ثماني نساء فقط إلى المكتب السياسي منذ عام 1949 من بين مئات الرجال وكانت ثلاث منهن زوجات لكبار المسؤولين، بما في ذلك ماو تسي تونغ وتشو إنلاي، وكانت اثنتان أخريان من “الأبطال الثوريين” خلال الثورة الثقافية وكان دورهما دعاية أكثر منه قوة.
وتتقاعد صن هذا العام، لكن من المتوقع أن تخلفها امرأة أخرى ربما تكون شين يتشين سكرتيرة حزب قويتشو.
ومنذ عام 2001 يطلب الحزب الشيوعي الصيني وجود امرأة واحدة في الأقل في منصب قيادي رفيع في كل مستوى، على رغم أن المطلب لا يمتد إلى المكتب السياسي.
وقالت مينغلو تشين، كبيرة المحاضرين في إدارة الحكومة والعلاقات الدولية في جامعة “سيدني”، أدى طلب الحد الأدنى من دور الكوادر النسائية إلى فتح الباب، لكنه لم يغير الثقافة السياسية المعادية للمرأة، وأضافت أن “هذا نوع من التطور، لكن في الواقع غالباً ما يتم تفسير هذه السياسة على أنها امرأة واحدة، لذلك هناك امرأة واحدة فقط، من الواضح أن هذا يدل على أن نظام الحصص الذي يتم اعتماده فاعل، لكن هناك مزيداً من العمل الذي يتعين القيام به”.
وقالت مينغلو “الأمر الوحيد الذي يمكننا مناقشته بأمان مع عدم وجود امرأة في القيادة، أن تمثيل قضايا المرأة سيكون ناقصاً”.
المصدر: إندبندنت عربية
موضوعات تهمك: