لم تسقط كابل في يد مسلحي حركة طالبان بين ليلة وضحاها، فالأمر مبني على أسابيع من التقدم على حساب الجيش الأفغاني الذي انهار اليوم وتمام في خلال 24 ساعة من هجوم الحركة على العاصمة التي باتت تحت سيطرتهم، ودخلوا إلى القصر الرئاسي الذي فر منه الرئيس أشرف غني قبل ساعات.
جاء ذلك مع قرب اتمام القوات الأجنبية الداعمة للحكومة التي سقطت اليوم، وبعد عام ونصف العام تقريبا من توقيع اتفاق السلام بين الحركة وبين الولايات المتحدة الأمريكية في الدوحة.
وبالعودة لاتفاق السلام الذي اشترط على الحركة قطع علاقتها مع الإرهابيين، ومنع تحول أفغانستان لملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية، دون أي ذكر حول اتفاق سلام مع القوات الحكومية التي يرأسها أشرف غني وحليفه، ليسقطا بعد أسابيع قليلة من رفع الناتو والقوات الأمريكية يدهم عن دعمهم، وهو ما كان يتوقعه البنتاغون، كما أنه لم يتم إعلان أي دعم كان للجيش الذي انهار اليوم، وهو ما يوضح مدى تخلي الولايات المتحدة عن الحكومة في أفغانستان وبدء صفحة جديدة من التحالف مع طالبان الذين حاربوهم لنحو عقدين من الزمان.
فلماذا أوقفت الولايات المتحدة الدعم للجيش الأفغاني وتركتهم لقمة سائغة في فم حركة طالبان؟ أعلنت واشنطن أن مصالحها لم تحاجة لدعم القوات الحكومية الأفغانية وهي الإجابة الواضحة لما حدث، ولكن على الرغم من كل الدعم المقدم من الولايات المتحدة لإطالة عمر الحكومة التي سقطت اليوم، فلماذا سقط الجيش وانهار؟ الإجابة في تقرير نشرته هيئة التفتيش الخاصة بإعادة إعمار أفغانستان “SIGAR”.
طالبان بـ60 ألفا هزمت جيش قوامه ربع مليون جندي
الهيئة المختصة بإعادة إعمار أفغانستان، قالت في تقريرها، أن الجيش كان يتعامل خلال السنوات الماضية كمجموعة عسكرية تابعة لأمراء حرب حيث اعتبروا أن الجيش عبارة عن مؤسسة لحصد الغنائم، ويبنون من خلاله شبكة من المنافع والمحسوبيات عبر دوائر عائلية ومناطقية تفتقد لروح العقيدة العسكرية.
وأضاف التقرير أن النمط من التخلي عن العقائدية العسكرية والعمل بشكل غير مؤسسي وغير منضبط، ساهم في تفكيك الجيش وفرار عناصره قبل حتى بدء المعارك مع مسلحي حركة طالبان في الوقت الذي تقول فيه تقارير أن عدد المسلحين 60 ألفا أمام 250 ألفا بأسلحة متطورة وقوية.
الأمر لم يكن بنتائج تحولات الجيش إلى مؤسسة نفعية، فالحركة لم تهاجم العاصمة صباح اليوم الاحد، سوى بعد عقد توافقات مع قوى أهلية أفغانية من عشائر وزعماء المناطق ووجهاء المجتمع المحلي في العديد من المناطق التي تركت لصالح المقاتلين دون قتال وسط تلاقي مصالح بين القوى الأهلية والحركة.
ووفقا للحسابات التي نشرها مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية وهي مؤسسة بحثية غسكرية، فإن مقاتلي طالبان الفعليين 200 ألف مقاتل في كافة المناطق، والمقاتلين أكثر معرفة وخبرة بالمناطق الجغرافية والديموغرافية في مناطق الاشتباكات.
في وقت تحدثت تقارير عن كمية هائلة من الأسلحة ونوعية غير مسبوقة لصالح الحركة، مشيرة إلى أنه وبشكل مفاجئ ظهر في يد مقاتلي طالبان جميع أنواع الأسلحة المتطورة والحديثة وتمت ملاحظة أسلحة أمريكية حديثة حصلوا عليها من مخازن الجيش.
في الوقت ذاته تظهر خلال الأشهر الماضية طبقة سياسية لحركة طالبان استطاعت تقديم مشروع وطني لبناء دولة وحكومة ظهر ذلك جليا للمفاوضين الأمريكيين، فيما ذكر خبراء أن الحركة زادت من وتيرة الدعايا الخاصة بالخطاب الوطني والديني والتحرري من الاستعمار، وأبدوا مدى انغماسهم القبلي وسط المجتمع الأفغاني وسط حالة من التأييد المتسارع من الجهة الشعبية والقبلية.
كل تلك العوامل كانت دافعا للقوات الأمريكية وقادتها للانسحاب من أفغانستان وترك الجيش الافغاني لقمة سائغة في قم حركة طالبان، فقد كانت واشنطن تعرف جيدا ان طالبان ستسيطر على أفغانستان بعد انسحابها.
أمريكا انسحبت بعد أن عرضت على الحركة ترك البلاد لها في حال ضمانة الحركة للمصالح الأمريكية، في وقت ارتأت فيه أن طالبان تستطيع ضمان تلك المصالح بشكل أفضل من الحكومة التي انهارت اليوم بناءا على اتفاق السلام الموقع قبل أكثر من عام ونصف.
موضوعات تهمك: