الجولاني: “الهيئة” أجرت استعدادات لأشكال وأنواع الحرب كافة
عباس شريفة: هيئة تحرير الشام كانت السباقة في التطبيع مع النظام
رضوان الأطرش: “الهيئة” تبدو أكثر قلقاً لأنها تخشى على مصيرها
* * *
ظهرت “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً)، الفصيل الأبرز المسيطر في منطقة إدلب ومحيطها، شمال غربي سورية، في موقف المتحدي للتوجهات التركية الأخيرة بالانفتاح على نظام بشار الأسد. وأدلى زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني والعديد من قادتها، بتصريحات ترفض علناً هذه التوجهات، وتدعو لمواصلة قتال النظام. وهذا ما فُسّر من جانب بعض المتابعين للملف بأنه محاولة من “الهيئة” للاعتراض على تجاهلها من جانب الأتراك، من خلال التباحث مع الروس والنظام على مصير المنطقة التي تسيطر عليها، من دون التشاور معها.
“تحرير الشام” ترفض التوجه التركي الجديد
وشنّت وحدات من “تحرير الشام” سلسلة من العمليات ضد مواقع لقوات النظام في أرياف إدلب وحلب واللاذقية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر وضباط النظام. وأكد الجولاني في ظهورين إعلاميين، أعقبا الاجتماع الثلاثي الذي ضم وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ونظيره السوري علي محمود عباس والروسي سيرغي شويغو في موسكو، أحدهما في تسجيل صوتي بثته وكالة أمجاد” المقربة من الهيئة الثلاثاء الماضي، وآخر في لقاء مع ناشطين سياسيين وإعلاميين الإثنين الماضي، رفض فصيله أي تقارب مع النظام.
واعتبر الجولاني ذلك “انحرافاً خطيراً يمس أهداف الثورة السورية”. كما شدد على مواصلة العمل “حتى الوصول إلى دمشق وإسقاط النظام”. ووجه الجولاني كلامه إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، قائلاً: “لا تفرح بما يجري، فإن ما مضى أكثر بكثير مما بقي، فقد اقتربت ساعتك”.
وفي محاولة لاستقطاب الجماعات والفصائل الرافضة للتوجه التركي باتجاه نظام الأسد، أوضح الجولاني أن هيئة تحرير الشام أعدت “العدة وهيأنا أنفسنا لأيام عظيمة قادمة”. ودعا “كل مخلص أن يبذل الجهد ويسعى بصدق ويضع يده بأيدينا ويصطف إلى جانبنا في مواجهة هذه التحديات ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام المجرم”. وأشار إلى “استعدادات أجرتها الهيئة لأشكال وأنواع الحرب كافة، ولقد قمنا أخيراً بإجراء مناورات حية في الميدان، واستطاعت القوات العسكرية اختراق صفوف العدو في مواضع عدة”. كما أكد أن “الحرب خيارنا ولن تتوقف عن كونها كذلك في يوم من الأيام”.
بدوره، هاجم القيادي البارز في “الهيئة”، ميسر بن علي، المعروف بلقب أبو ماريا القحطاني، تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، التي تحدث فيها عن عدم اعتراض المعارضة السورية على التوجه التركي ووصف من يتظاهرون ضد تركيا في الشمال السوري بأنهم فئة قليلة صاحبة مصالح ضيقة.
ووصف القحطاني على حسابه على موقع تويتر، في الأول من يناير/كانون الثاني الحالي، تلك التصريحات بـ”الوقحة”. كما أشار إلى أن “من لم يكترث لدمائنا لن يقرر مصيرنا”. كذلك صدرت مواقف مماثلة عن القيادي في “الهيئة”، مظهر الويس، إذ لفت على موقع تويتر في 29 ديسمبر الماضي إلى أن “لعنة دماء أهل الشام ستمحق من يفرط فيها، والعاقبة لمن يقف في صف المظلومين المستضعفين”.
وشجعت “الهيئة” خروج تظاهرات منددة بالتوجهات التركية حيال نظام الأسد، كما شهدت مناطق سيطرتها تظاهرات عدة خلال الأيام الماضية ضمت الآلاف رافضة للتقارب مع نظام الأسد. ونظّم “مجلس القبائل والعشائر السورية” (تجمع محسوب على المعارضة)، الإثنين الماضي، فعالية في مدينة إدلب بعنوان “حفظاً للتضحيات ورفضاً للمصالحات”، أكد خلالها ممثلو العشائر تمسكهم بأهداف الثورة وإسقاط النظام.
ولم تكتف “الهيئة” بالتعبير عن امتعاضها من التحركات التركية عبر التصريحات وتشجيع التظاهرات. فقد عمدت إلى دفع الجناح الموالي لها في حركة “أحرار الشام” إلى رفض تسليم معبر الحمران التجاري بين مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”الجيش الوطني السوري” (المعارض) في ريف حلب إلى وزارة الدفاع التابعة لـ”الجيش الوطني”، نتيجة طلب تركي بغية تسليم كل المعابر لإدارة مدنية.
من ناحيته، لفت مصدر محلي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “حركة أحرار الشام” رفضت طلب أنقرة، فردّ الأتراك بقطع الحصة المالية المقدمة لها. وأعقبت ذلك استنفارات عسكرية من جانب “تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها الداعمة لـ”أحرار الشام”. ويعد معبر الحمران شرياناً اقتصادياً هاماً لمناطق الشمال السوري، حيث يتم عبره التبادل التجاري بين مناطق “قسد” والجيش الوطني، بما في ذلك شاحنات النفط.
أسباب تصعيد “تحرير الشام” تجاه تركيا
ورأى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن رد فعل “الهيئة” وتصريحاتها وتسييرها التظاهرات لا علاقة له بالتطبيع التركي مع النظام السوري، لكنه يتعلق أساساً بالضغط التركي لتسليم معبر الحمران للجيش الوطني. كما لفت إلى أن هناك ضغطا تركيا لإخراج الهيئة من عفرين وتسليم المقرات فيها للفيلق الثالث. وشهد شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي تمكن “الهيئة” من الدخول إلى مدينة عفرين شمال غربي سورية بمساعدة من فصائل “أحرار الشام” و”السلطان سليمان شاه”، وفرقة “الحمزة”، إثر مواجهات بين الأخيرة و”الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني” على خلفية اغتيال الناشط محمد أبو غنوم في مدينة الباب بريف حلب. وعقب اضطرار “الهيئة” للانسحاب بعد الضغط التركي، واجهت اتهامات بـ”التخفي” داخل المدينة من خلال إلباس عناصرها شارات فصائل أخرى متحالفة معها.
ووفقاً لشريفة فإن “الهيئة” بدأت تتبع هذا الأسلوب التصعيدي لخلق تواصل مع الأتراك، إضافة إلى شيطنة بعض الفصائل تمهيداً لضربها بحجة أنها فصائل مصالحات مع النظام.
واستبعد شريفة أن يكون للهيئة أي دور في المصالحة بين تركيا والنظام. كما أكد أن “الهيئة” كانت السباقة في التطبيع مع النظام حتى قبل الجانب التركي. وأوضح أن الهيئة كانت لها مبادلات تجارية عبر الخطوط مع مناطق النظام، إضافة إلى المساعدات الإنسانية. ولفت شريفة إلى أنه من أهداف “الهيئة” محاولة سد الفراغ نتيجة سكوت المعارضة لأيام بعد اللقاء الثلاثي لوزراء الدفاع في موسكو، ما عرّضها لهجمات إعلامية ولسخط الشارع. كما أوضح أن “الهيئة” تسعى لمحاولة امتصاص الاحتقان الشعبي نتيجة الحالة الاقتصادية وارتفاع الأسعار لأخذ الناس إلى جبهة أخرى تتعلق بالمواجهة مع النظام والتطبيع التركي معه.
“تحرير الشام” تسعى لإعادة بناء علاقاتها الداخلية والخارجية
من ناحيته، رأى باحث مقرب من الهيئة والفصائل في الشمال السوري، فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الهيئة تحاول “إعادة بناء نفسها وسمعتها في الداخل السوري”. كما أكد أنها تسعى إلى “إعادة بناء علاقاتها الخارجية، استعداداً للمرحلة المقبلة”. ولفت إلى أن “الهيئة” “بعد دخولها إلى عفرين، وإجبارها على الخروج، تستغل التقارب التركي المعلن مع النظام السوري، لتظهر بمظهر الملتحم مع الشارع والثورة، والمؤيد لهذه الاحتجاجات، بل الداعم لها”.
وأشار المصدر إلى أن “الهيئة” تحاول أيضاً الظهور بمظهر المستقل عن التوجهات التركية، خلافاً لبقية الفصائل التي لم تجرؤ على اتخاذ مواقف واضحة ضد هذه التوجهات. كما شدد على أنها ربما تسعى أيضاً للضغط على أنقرة بهدف دفعها لإطلاعها على خططها المستقبلية تجاه المناطق التي تسيطر عليها، والتنسيق معها بشأن خطوات التقارب مع النظام. كما أوضح أن “الهيئة” ربما تريد أخذ دور في المرحلة المقبلة، فيما لو تحقق تقدم في هذا التقارب (التركي – السوري)، حتى لا يكون على حسابها.
مخاوف هيئة تحرير الشام من التقارب التركي – السوري
وقال الناشط السياسي، رضوان الأطرش، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن التقارب بين تركيا والنظام لم يقلق فقط هيئة تحرير الشام، بل جميع الفصائل الثورية والشعب. كما لفت إلى أن “الهيئة” تبدو أكثر قلقاً لأنها تخشى على مصيرها من هذا التقارب كونها محكومة باتفاق موسكو في مارس/ آذار 2020 (اتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان يقضي بوقف لإطلاق النار في محافظة إدلب)، وكونها مدرجة على قوائم الإرهاب الدولي. وأشار الأطرش إلى أن أبرز مطالب النظام وروسيا هو العمل المشترك ضد مجمل الفصائل في الشمال السوري و”هيئة تحرير الشام”.
من جهته، استبعد المدرس في كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال، كمال عبدو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن تكون “الهيئة” تقوم فقط بمشاغبات على الموقف التركي ليكون لها دور في المرحلة المقبلة. واعتبر أن مواقفها حقيقية نظراً لما تمر به القضية السورية من منعطف خطير يتطلب من جميع القوى أن يكون لها مواقف واضحة في هذه المرحلة. كما أكد متابعون أن “هيئة تحرير الشام” تخشى بشكل خاص من آلية التنسيق الأمنية التي وضعتها تركيا وروسيا وإيران بموجب اجتماعات أستانة والتي تهدف إلى محاربة “التنظيمات الإرهابية”. كما أوضحوا أن الهيئة تعتبر نفسها مستهدفة بموجب هذه الآلية التي قد تكون الظروف الحالية مناسبة لتفعيلها وتجسيدها على أرض الواقع.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: