بقلم: عادل الطريفي
من المقرر أن تنتهي اليوم أعمال قمة مكة الاستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، التي كان خادم الحرمين الشريفين قد دعا إليها قبل أسابيع، وحظيت بحضور عربي وإسلامي لافت. الأزمة السورية تصدرت جدول أعمال المؤتمر، ولعل أبرز النتائج فيها تعليق عضوية سوريا، والتوصل إلى إجماع إسلامي على إدانة انتهاكات النظام السوري الحاكم. قد يعتبر البعض هذه النتيجة متواضعة نظرا لكون عضوية سوريا في منظمات مهمة قد تم تعليقها، كما حدث في الجامعة العربية، أو تم استبعادها، كما حدث في بعض اللجان التابعة للأمم المتحدة ومؤسساتها. حقيقة الأمر أن الإدانة وتعليق العضوية لهما أهمية بالغة في هذه المرحلة بالذات، فالآن بات بمقدور الدول المعارضة للحملة العسكرية لنظام الرئيس الأسد أن تقول للدول الداعمة – أو المتعاطفة – معه إن أغلبية الدول العربية والإسلامية رافضة لاستمرار النظام. كيف يمكن لحلفاء الأسد في روسيا والصين ولبنان وعدد من الدول اللاتينية أن يبرروا دعمهم للنظام السوري في وقت تقف فيه أغلبية العالمين العربي والإسلامي ضده؟ وحتى إن كانوا لا يأبهون لما يصدر عن الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، فإنه لم يعد بوسعهم تجاهل مطلب أغلبية المجتمع الدولي برحيل الأسد.
مشكلة الانتفاضة السورية أنها تحولت منذ أول يوم إلى قضية إقليمية، ليس لأن «الثوار» أرادوا ذلك، بل لأن بلدهم كان مرتهنا لعقود لأجندة خارجية. ليس سرا أن نظام بشار الأسد لعب دورا أساسيا في المحور الإيراني، ونشط خلال العقد الماضي في الاغتيالات وزعزعة الأمن الإقليمي لحساب المتشددين في الحرس الثوري الإيراني. لأجل ذلك، فإن الأنباء التي تتحدث عن اعتقال ضباط إيرانيين هنا وهناك، ومقتل عناصر من ميليشيا حزب الله اللبناني، هي دليل على أن ما يدور اليوم هو حرب إقليمية، وأن الثوار السوريين لا يواجهون قوات الأسد فقط، بل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
في تحليل عسكري نشرته «نيويورك تايمز» بعنوان «أسلحة الزعيم السوري تحت الضغط» (2 أغسطس «آب»)، تحدث عدد من الخبراء العسكريين عن أن النظام بات غير قادر على مقاومة حرب العصابات في شوارع المدن الكبرى، وفقدت قواته خطوط الإمداد، ولأجل ذلك فإن النظام بات يلجأ في الشهور الأخيرة للاعتماد على أسلحة مخصصة للحروب التقليدية كالطائرات الهجومية، ومدافع السفن، وصواريخ نوعية لضرب مناطق سكنية، وبحسب التقرير، فإن لجوء النظام لهذه الأسلحة يعني أنه بات لا يملك دعما كافيا من المؤن العسكري، وسيضطر مع الوقت إلى خسارة عتاده من الأسلحة الحربية المتقدمة، مع تكرار تعرضها للعطب، ونقص الصيانة. لعل هذا ما يفسر حديث رئيس الوزراء المنشق حديثا، رياض حجاب، حول أن النظام لم يعد يسيطر إلا على 30 في المائة من الأراضي السورية. يضاف إلى ذلك أن الانشقاقات في صفوف الجيش تجاوزت 70 ألفا ما بين جنود وضباط، فيما تقدر الخسائر البشرية والمادية بأرقام هائلة، حيث دمرت أحياء كاملة في كل مدينة سورية، وتجاوز عدد اللاجئين المسجلين لدى الوكالات الدولية 150 ألفا. قائد للشرطة في حمص انشق مؤخرا أكد في حديث له، أن ميليشيات الشبيحة المؤيدة للنظام باتت تتحرك وفقا لتوجيهات ضباط من الحرس الثوري الإيراني، فيما أكدت السلطات الإيرانية ذاتها أن من بين المعتقلين الـ48 أعضاء متقاعدين في الحرس الثوري. قد يكون ذلك صحيحا، ولكن لماذا لم تطلب إيران من مواطنيها مغادرة بلد تحولت عاصمته ومدنه الكبرى إلى ساحة للحرب الأهلية؟! ليس هناك شك في أن نظام الأسد لم يعد قادرا على العمل كدولة شرعية ذات سيادة، وحتى إن تمكن من البقاء بالاعتماد على الدعم الخارجي، فإن سلطته الداخلية، بل ورقعة ما يحكمه، ستتقلص على الأرض.
برأيي أن الخوف الحقيقي ليس في بقاء نظام الأسد فهو نظام حكم على نفسه بالهلاك، بعد أن استهدف مواطنيه بالقتل والترويع، ولكن الخوف الحقيقي هو على الانتفاضة السورية، لكي لا يتم جرها إلى ذات الأساليب اللاإنسانية التي يمارسها النظام وشبيحته. لقد طفت إلى السطح مشاهد «فيديو» مروعة لإعدامات ميدانية اتهم بها الجيش الحر، وبعض المقاتلين المنضوين تحت أعلام أخرى، وبدا في بعض المناطق نشاط ملحوظ لعناصر من المقاتلين الأجانب، وإن كانوا قلة، بحسب بعض المراقبين المطلعين على يوميات الحدث السوري. هذه ولا شك علامات تبعث على القلق، فوحدة الدولة السورية، والحفاظ على نسيجها الاجتماعي والطائفي، ضرورتان لكي تجتاز سوريا أزمتها الراهنة. من المؤشرات الإيجابية أن قوى المعارضة السورية، لا سيما بيان الإخوان المسلمين المتميز مضمونا وتوقيتا، قد تعهدت كلها بالعمل على إنشاء دولة ديمقراطية مدنية، تصان فيها الحقوق السياسية والاقتصادية لكل مكونات الدولة السورية، ولكن خلف كل هذه التعهدات لم نلمس حتى الآن قدرة المعارضة كمؤسسة سياسية على الفوز بثقة المكونات الطائفية الأخرى التي تتخوف مما بعد سقوط النظام.
لا شك أن هناك صعوبة أخلاقية في أن يُطالب الضحية باحترام اتفاقية جنيف بخصوص الأسرى، فيما يمارس النظام والميليشيات التابعة له صنوف التنكيل، وأبشع الانتهاكات الإنسانية. بيد أن الانتفاضة السورية – لا سيما العسكري منها – مطالبة بالتزام القواعد الأخلاقية، واحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. إذا كانوا يريدون أن يبدوا شرعيين، فعليهم إذن التزام الشرعية الدولية. خذ على سبيل المثال قضية المختطفين الإيرانيين، لا يصح للجيش الحر التهديد بقتلهم حتى وإن كانوا جناة، أو المساومة بهم عبر تسجيلات فيديو حتى إن كانوا مذنبين.
قد يقال إن الجيش الحر غير قادر على توفير محاكمة لهم، أو حتى الحفاظ على سلامتهم، وإذا كانت الحال كذلك، فينبغي أن يتم تسليمهم لتركيا أو أي دولة أخرى للحفاظ على سلامتهم، ويمكن للسوريين بعد ذلك محاكمتهم متى توفرت لهم السبل لذلك. هناك ضرورة لنقد تصرفات القلة في المعارضة المسلحة، لكي تتجنب الانتفاضة السورية الانزلاق إلى مستوى النظام. لقد ضرب السوريون صنوف الشجاعة والتضحية في مواجهة نظام ظالم، ولكن تضحياتهم قد تتضرر إن استطاع النظام أن يجرهم إلى أن يكونوا مثله، أو أن يضطرهم للقيام بذات الانتهاكات التي يقوم بها. قوة الانتفاضة السورية في منطقها الإنساني، وعلى الثوار المحافظة على ذلك.
وعليهم ألا ينجروا لأماني النظام وأحلامه في أن يتحول هؤلاء الضحايا، إلى جلادين. وأن يحذروا من ألاعبيه ومن الفرص التي يتيحها لهم الجلاد لتشويه ثورتهم.