ترشح ترامب لحماية نفسه من الملاحقات القانونية (كما يأمل) وللانتقام، ولأن تجارة عائلة ترامب أصبحت استغلالا سياسيا.
المرشح ترامب يحمل رائحة الخسارة، ولهذا السبب حاول إقناع العالم بأنه لم يخسر الانتخابات الرئاسية السابقة، ولكنه خسر والترامبية هي التي تخسر الآن.
الرئاسة عمل يقوم على المواءمة بشخص يواجه لحظة هو المناسب لها ويتموضع لها وقد حصل ترامب عليها في 2016 بدعم خارجي كبير لكن البلاد تغيرت بعد 6 أعوام وهو تغير أيضا.
*
قال المعلق تشارلز أم بلو في صحيفة “نيويورك تايمز” إن لحظة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مضت وأصبحت من الماضي، حتى لو حاول إحياءها عبر ترشيح جديد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
واعتبر الكاتب أن “إعلان دونالد ترامب الترشح للرئاسة مرة أخرى، هبط مثل الجلجلة” لكنه يرى أن ترامب “يخسر اللحظة، ويموت معها أزيزه”، وأن “السياسة الرئاسية هي عمل يقوم على المواءمة بشخص يواجه لحظة هو الوحيد المناسب لها والتموضع لها بشكل فريد. وقد حصل ترامب على هذه اللحظة عام 2016 وبدعم كبير من الخارج، إلا أن البلاد تغيرت بعد ستة أعوام وهو تغير أيضا”.
وبحسبه فلم يعد ترامب وجها جديدا في الفضاء السياسي ولا الطرف الأضعف أو الشخص الذي جاء من الخارج. فهو رئيس حوكم مرتين وهو في المنصب وخسر إعادة انتخابه لولاية ثانية وكلف حزبه ثلاث خسائر ويخوض في بحر من المشاكل القانونية.
وأكد أن المرشح ترامب يحمل رائحة الخسارة، ولهذا السبب حاول إقناع العالم بأنه لم يخسر الانتخابات الرئاسية السابقة، ولكنه خسر والترامبية هي التي تخسر الآن.
ويشدد على أن هناك أمرا آخر يتعلق بالطبيعة المتقلبة للتعصب عند الحزب الجمهوري، فالمحافظون فيه، بشكل عام يحبون الإدمان على المعادل السياسي لـ”إحياء الخيمة”، أي الرغبة في الاعتقاد والحاجة للتأكيد وتمجيد الواعظ المتنقل حتى يخرج فاتحا المجال لشخص آخر.
وهم يعشقون الإدرينالين الذي يربطهم بالمبشرين الذي يبشرون بغضبهم. ويكون اعتقادهم بالفرد كاملا لحين انهياره ويحل محله مبشر آخر.
وهم يعانون من عادة إدمان الوقوع في الحب. وترامب هو قصة الحب الأخيرة، ولكنها ستنتهي بشكل حتمي، فالمواسم تتغير، وتذبل الزهرة أخيرا.
في عام 1994 كان هناك نيوت غينغريتش الذي قدم تعاقده مع أمريكا بقائمة من المبادئ المحافظة والسياسات. واستطاع الجمهوريون الدفع بعدد منها بالعملية التشريعية لكنها انهارت بسب تحولها إلى هجوم شخصي على بيل كلينتون بدلا من الاعتماد على نجاحها.
وفي انتخابات التجديد النصفي عام 1998 حصل الحزب على ضربة موجعة. وقبل عام أدين نيوت غينغريتش بتهة خرق السلوكيات، وبعد النتائج المخيبة عام 1998 استقال من رئاسة مجلس النواب ومن ثم استقال من المجلس كلية.
وفي استطلاع اجراه معهد غالوب في تشرين الثاني/نوفمبر 1994 وجد أن غالبية الأمريكيين لديهم مواقف محبذة من غينغريتش وليس مواقف سلبية.
وعندما استقال كانت شعبيته في الحضيض، وبعد عقد، عندما ترشح لانتخابات الرئاسة عام 2012 وصفته صحيفة “واشنطن بوست” بأنه “أكثر سياسي مكروه في أمريكا”.
وفي 2010 حصلت حركة حزب الشاي على دعم 52% من الجمهوريين حسب استطلاع غالوب، وانخفض ذلك الدعم بين الجمهوريين إلى النصف، واليوم لم يعد منظمو الإستطلاعات يسألون المشاركين عن حزب الشاي.
وفي عام 2008 أضر جون ماكين بالبلد عندما اختار حاكمة جمهورية كنائبة له السباق الرئاسي ضد باراك أوباما. وكانت سارة بالين مثيرة للانقسام وحارقة وعرضة للابتعاد عن الحقيقة، مع أنها كانت في البداية تحظى بشعبية بين الجمهوريين.
وفي عام 2010 كانت الشخصية الجمهورية الأكثر شعبية والمرشحة لسباق الرئاسة عام 2012، لكنها خسرت هذا العام انتخابات مهمة لمجلس النواب للمرشح الديمقراطي، وفي مقعد ألاسكا الذي يعتبر آمنا للجمهوريين وربحه ترامب عام 2016 و2020.
يلفت الكاتب أنه في ذروة شعبيتهم داخل الحزب لم يكن أحد يتخيل سقوطهم، وحدث هذا وعلى الأرجح سيحدث لترامب.
وظل الجمهوريون على مدى العقود كتلة غضب وحنق مستعدين لربط انفسهم في العربة المشتعلة التالية. وأقنعوا أنفسهم، وسط اللحظة أن هناك مبدأ يدفع إلى تلاصقهم، مثل الضوابط الاقتصادية والحدود ومعاداة المطالبين بالعدالة العرقية “ووكنيس”.
وكل هذا كان تمردا دائما ضد لم شمل الجميع والتنوير. وبالنسبة لهم فالنمو والتغير والتطور هي العدو. ومع أن التغير والنمو يحدثان أحيانا بطرق فوضوية وأخطاء، تعطي المحافظين الفرصة للقفز وتوجيه الإتهام، إلا أن التغير لا يقاوم وحتمي.
ولهذا يتشبث الكثير من الجمهوريين بالأشخاص الذين يمثلون المقاومة والاضطهاد، أشخاص يزعمون أن لديهم القدرة على وقف الزمن وإعادة عقارب الساعة للوراء. فهم بحاجة دائمة لإغراء نغمات صفارات الإنذار.
وقدم لهم ترامب ما يريدون، لكن هذا لن يدوم، ولم يكن من المفترض أن يدوم، ويجب أن “يُعمد رسول جديد ورسالة جديدة”.
والكاتب لا يقول إن ترامب فقد السيطرة على حزبه، بل يقدم حقيقة وهي أن دعمه يتراجع، وبناء على سوابق، فالقادة الجذابون عادة ما يخسرون وتخفت صورتهم.
ولم يرشح ترامب نفسه لأن لديه رؤية للبلد او لأن لديه أجندة سياسية مختلفة، فقد ترشح لعدم توفر الخيارات أمامه. ورشح نفسه لحماية نفسه من الملاحقات القانونية (كما يأمل) وللانتقام، ورشح نفسه لأن تجارة عائلة ترامب أصبحت استغلالا سياسيا.
المصدر: نيويورك تايمز
موضوعات تهمك: