ما قامت به السلطة من تدمير للعملة الوطنية وإدخال البلد في مأزق سياسي وتعميق أوجه عدم المساواة أفضى لإغراق لبنان في فقر مدقع.
بعد 19 شهراً بلغت خسائر مصرف لبنان 66 مليار دولار ونظراً لخطورة ضخامتها يصر صندوق النقد الدولي على تحديدها في أي خطة مالية يتم التفاهم عليها.
القيادة السياسية تمعن في تدمير المجتمع الذي يتوجب عليها أن ترعاه وتصر على إطالة أمد نمط الاقتصاد الريعي القاتل للفقراء بدلاً من استغلال فرصة إعادة التفكير في نموذج لبنان الاقتصادي.
* * *
بقلم: عدنان كريمة
بعد سنتين من الانهيار المالي والاقتصادي، صدرأهم تقرير، ولعله الأخطر، أعده أوليفيه دي شوتر، مقرر الأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، والذي زار لبنان 12 يوماً. وقد اتهم التقرير القادة السياسيين «في أعلى المستويات» بتبديد موارد الدولة.
ووصف ما قامت به السلطة من تدمير للعملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة، ما أفضى إلى إغراق لبنان في فقر مدقع.
وأوضح دي شوتر أن «القيادة السياسية، لم تكتف بذلك، بل تمعن في تدمير المجتمع الذي كان يتوجب عليها أن ترعاه، وهي تصر على إطالة أمد نمط الاقتصاد الريعي القاتل للفقراء، بدلاً من استغلال فرصة إعادة التفكير في نموذج لبنان الاقتصادي».
ولعل أخطر ما أشار إليه دي شوتر هو أن «ثمة مَن استفاد سابقاً من تراكم الديون، ويستفيد اليوم من إطفائها على حساب المودعين»، ثم تأكيده بأن «صبر مجتمع المانحين، بدأ ينفد مع الحكومة اللبنانية، ويجب أن يلمس المجتمع الدولي جديةَ السلطة السياسية في تطبيق الشفافية والمساءلة». وأخير دعا شوتر إلى «فرض إصلاحات تعالج الانهيار الاقتصادي، وتخفف من حدة الفقر، وتعزز الحماية الاجتماعية».
وجاء صدور هذا التقرير في وقت يحاول فيه صندوق النقد الدولي إطفاء خسائر الاقتصاد اللبناني في ظل اختلاف بين أركان المنظومة السياسية على تحديد حجم الخسائر وكيفية توزيعها بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية والمودعين.
وقد اشترط الصندوق توحيد أرقام لبنان ومطالبه، حتى يتمكن من تقديم القروض الملائمة له، وتحديد أوجه إنفاقها على مشاريع تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتمكن الدولة من دفع أقساط هذه القروض في مواعيدها.
لقد سبق لشركة «لازارد»، وهي المستشار المالي للحكومة، أن قدرت في أبريل 2020، تراكم خسائر مصرف لبنان فقط بنحو 42.8 مليار دولار، ومع مرور 19 شهراً، زادت الخسائر إلى 66 مليار دولار. ونظراً لخطورة ضخامتها يصر الصندوق على تحديدها في أي خطة مالية سيتم التفاهم عليها.
لكن يبدو أن مقاربات مصرف لبنان لا تعترف بهذه الخسائر، الأمر الذي يظهر هوةً كبيرةً بين الفريقين. وتنصح «لازارد» المفاوض اللبناني أن يتفهم شروط الصندوق ومقارباته، لأن تمسكه بمطالبه وشروطه، قد يفشِل المفاوضات ويخسّر لبنان أمام المجتمع الدولي.
ويشهد لبنان انقساماً سياسياً بين فريق مؤيد للصندوق بقيادة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يرى ضرورة العبور بأقنية برامح التمويل الدولي لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من الانهيار، لكن الفريق المعارض يرى في خضوع لبنان لشروط الصندوق إهانةً له واختراقاً لسيادته، خصوصاً أن موافقة مجلسه التنفيذي تخضع لأصوات الدول الكبرى الأعضاء بقيادة الولايات المتحدة.
وفي أحسن الأحوال لن يحصل لبنان على أكثر من 4 مليارات دولار، وهو مبلغ ضئيل مقارنة باحتياجاته التي لا تقل عن 20 مليار دولار.
لكن الرئيس ميقاتي يرى أن الحصول على ثقة المجتمع الدولي، تفتح أمامه مساعدات كل الدول المانحة، بما فيها الأسواق المالية، ويتمكن بذلك من الحصول على كل احتياجاته.
وبما أن القرار هو قرار سياسي تتخذه الحكومات القوية والمتجانسة بمواقفها، والمتفقة بين مكوناتها
السياسية على برامجها الإنقاذية، لذلك ينتظر أن تمتد المفاوضات مع الصندوق إلى ما بعد الانتخابات النيابية المرتقب إجراؤها في مارس المقبل، على أمل أن يتم توقيع الاتفاق مع حكومة جديدة تكون أكثر تمثيلاً للشعب اللبناني.
* عدنان كريمة كاتب لبناني في الشؤون الاقتصادية
المصدر| الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: