يقاسي لبنان موجات متلاحقة من الانهيار الاقتصادي والمالي منذ سنوات ورزمة استعصاءات وتداعيات انفجار مرفأ بيروت صيف 2020.
تواجه البلاد خطراً مجتمعياً وكيانياً حقيقياً إن طال به أمد الفراغ الدستوري لفترة طويلة، كفترة العامين ونصف بين 2014 و2016.
هل يمكن للجهود الدبلوماسية والخارجية أن تفتح ثغرة في جدار الفراغ الرئاسي؟ هل يعني ذلك تزكية خيار الاتفاق على قائد الجيش الحالي رئيساً؟
يبدو الانهيار «متماسكاً» ولم يندفع إلى الفوضى الشاملة، لكن هذه الحال المضبوطة من الانهيار على مرارتها للعدد الأكبر من السكان الذين يذوقون الأمرين لم تعد مضمونة.
* * *
كل المؤشرات توحي بأن الأمور في لبنان إلى مزيد من التصدّع والترنّح ما لم تفض المساعي المبذولة إلى إنهاء سريع لفترة الشغور الرئاسي إلى نتيجة ملموسة.
فالبلد الذي يقاسي موجات متلاحقة من الانهيار الاقتصادي والمالي منذ ثلاث سنوات. تضاف إليها رزمة كاملة من الاستعصاءات ومن فوقها تداعيات انفجار مرفأ بيروت صيف 2020، يواجه خطراً مجتمعياً وكيانياً حقيقياً إن طال به أمد الفراغ الدستوري لفترة طويلة، كفترة العامين ونصف بين 2014 و2016.
ولئن بدا الانهيار فيه حتى الآن «متماسكاً» بشكل من الأشكال ولم يندفع إلى الفوضى الشاملة، لا بل أمكن تنظيم انتخابات نيابية في مايو من هذا العام رغم كل المشقات، إلا أن هذه الحال المضبوطة من الانهيار ـ على مرارتها بالنسبة إلى العدد الأكبر من السكان الذين يذوقون الأمرين تحت سقف الأمر ـ لم تعد مضمونة، ما لم يسارع إلى إنضاج ووصل المساعي الداخلية والخارجية، الواعية إلى خطورة استدراك الوضع، والإسراع بانتخاب رئيس جديد، من ضمن مجموعة تفاهمات بإمكانها «ضبضبة» الأزمة السياسية بالحد الأدنى للانصراف لمعالجة الوضع المالي الذي لم يعد قابلاً النظر فيه للتسويف والتأجيل، في ظل التناقض الحاد في رصيد العملات الأجنبية في المصرف المركزي، والتزايد المتواصل لسعر صرف الدولار الأمريكي في السوق وقد بلغ 31 ضعف سعره الرسمي.
ومن مفارقات الوضع اللبناني أنه بخلاف بلدان عديدة تكون فيها القوى المحسوبة على اليسار، التي تضيق ذرعاً بصندوق النقد الدولي وتوصياته للإصلاح وإعادة الهيكلة، فإن اللوبي المصرفي في لبنان هو الذي يقود في الوقت الحالي الحملة العاتية ضد هذا الصندوق، ما يجعل تشخيص صندوق النقد للأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية هدفاً لحملات كل من لوبي المصارف وأوساط الممانعة، كل انطلاقاً من نظرته وحساباته.
وبالنتيجة، الضبابية حيال إمكانية ترجمة توصيات وشروط صندوق النقد الدولي للسير في اتجاه التعافي أو أقله إنعاش الوضع الاقتصادي والمالي اللبناني، هي ضبابية تضاف لكل ما تنسد به السبل في لبنان، من الشقاق الداخلي حول سلاح «حزب الله» والمنظومة الدفاعية وقرار الحرب والسلم وسياسة الدولة الخارجية إلى النزاعات الأكثر تقليدية حول حصص كل طائفة وما لها وما عليها.
هل يمكن للجهود الدبلوماسية والخارجية أن تفتح ثغرة في جدار الفراغ الرئاسي؟ هل يعني ذلك تزكية خيار الاتفاق على قائد الجيش الحالي رئيساً؟ هل يكرس ذلك معادلة أن كل قائد جيش في لبنان هو الرئيس المقبل للدولة فيه؟
هل يمكن أن يحصل ذلك دون التوافق على سلة إنقاذ عاجلة للوضع المالي؟ من سيكون الخاسر ومن الرابح في هذه الحال؟ كلها أسئلة برهن الأسابيع المقبلة.
لكن إذا كان الوضع السياسي أقرب إلى الحركة البطيئة، فالوضع المالي حركته الانهيارية عادت متسارعة، والوضع الأمني تحوم حوله الهواجس، ولا سيما بعد حادثة مقتل الجندي الأيرلندي من قوات اليونيفيل جنوباً وما أثارته من ردود فعل ومن تشاؤمية بالنسبة إلى المرحلة المقبلة.
في هذا الوقت، يستعد اللبنانيون لاستقبال نهاية العام بمزيج من العتمة في ظل انقراض كهرباء القطاع العام، ومن زينة الأعياد، في ظل إصرار استثنائي لهذا الشعب على الحياة، حتى آخر نفس.
لكن، الجميع في هذا البلد يدركون أن أوضاعه ستكون أصعب بشكل نوعي العام المقبل، ما لم يصل بسرعة إلى الاتفاق العاجل على حل عقلاني للموضوع الرئاسي، يندرج فيه الاتفاق على فرد، الرئيس العتيد، مع مجموعة مداخل إسعافية أساسية لهيكلية الاقتصاد ومعالم سيادة الدولة في هذا البلد.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: